فالتفصيل المذكور في غاية السقوط ، ألا ترى أنّ الشارع قد جعل للموضوع المشتبه أمورا أخر غير الاستصحاب كاليد والسوق والبيّنة ونحوها ، وليس أمثال ذلك من بيان الموضوع في شيء ، بل إنّما هو حكم كلّي متعلّق بموضوع كلّي منطبق على جزئياته كالنجاسة للخمر الحقيقي ، فلا فرق بين القضيّة الحاكمة بنجاسة الخمر والقائلة بحلّية ما يوجد في سوق المسلم عند الاشتباه ، سوى الاشتباه كما لا يخفى على المتدبّر.
فإن قلت : إنّ المستفاد من أخبار الاستصحاب مجعولية المستصحب في مرحلة الظاهر ، كما إذا شكّ في فورية الخيار ـ مثلا ـ عند علم المشتري بالغبن أو العيب أو في وجوب شيء بعد ثبوته في الحالة السابقة ، فإنّ المستفاد من قوله : « لا تنقض » هو أنّ الشارع قد جعل في مرحلة الظاهر وجوبا ظاهريا عند الشكّ في البقاء وعدمه كما جعل حكما واقعيا قبل الشكّ ، ولا ريب أنّ الجعل الظاهري ممّا لا يتعقّل في الموضوعات الخارجية دون الأحكام ، فإنّها أمور واقعية لا مدخل لجعل الشارع فيها ، بخلاف الأحكام ؛ إذ ليس لها واقع إلاّ طلب الشارع على اختلاف الموارد ، فتارة إيجابا ، وأخرى استحبابا ، ومرّة تحريما ، ونوبة تنزيها ، كما لا يخفى ، فيمكن الجعل فيها كما هو مفاد الأدلّة ، فينحصر مورد الأخبار المذكورة في الأحكام.
قلت : قد عرفت فيما تقدّم آنفا (١) أنّ معنى قوله : « لا تنقض اليقين » هو وجوب الأخذ بالحالة السابقة وإجراء الأحكام المترتّبة على المتيقّن عليه عند الشكّ ، وليس للجعل فيه عين ولا أثر ، ووجوب الأخذ بالأحكام في الموضوعات معناه ترتيب آثارها عليها ، ففيما إذا شكّ في حياة زيد بعد العلم بها لا بدّ من الحكم بحرمة زوجته (٢) على غيره ووجوب إنفاقه لها ونحو ذلك ، وفي الأحكام أيضا معناه هو وجوب الإتيان
__________________
(١) « ز ، ك » : ـ آنفا.
(٢) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : « زوجتها ».