إيراد الأخبار (١) الدالّة على الاستصحاب ـ : لا يقال : هذه القاعدة تقتضي جواز العمل بالاستصحاب في أحكام الله كما ذهب إليه المفيد والعلاّمة من أصحابنا والشافعية قاطبة ، وتقتضي بطلان قول أكثر علمائنا والحنفية بعدم جواز العمل به.
لأنّا نقول : هذه شبهة عجز عن جوابها (٢) كثير من فحول الأصوليين والفقهاء ، وقد أجبنا عنها في الفوائد المدنية تارة بما ملخّصه أنّ صور الاستصحاب المختلف فيها عند النظر الدقيق والتحقيق راجعة إلى أنّه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها فيه ، ومن المعلوم أنّه إذا تبدّل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين ، فالذي سمّوه استصحابا راجع في الحقيقة (٣) إلى استواء (٤) حكم موضوع (٥) إلى موضوع آخر يتّحد معه بالذات (٦) ويغايره بالقيد والصفات ، ومن المعلوم عند الحكيم أنّ هذا المعنى غير معتبر شرعا وأنّ القاعدة الشريفة المذكورة غير شاملة له.
وتارة بأنّ استصحاب الحكم الشرعي ، وكذا الأصل ، أي الحالة التي إذا خلّي الشيء ونفسه كان عليها ، إنّما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما ، وقد ظهر فى محالّ النزاع بيان ذلك : أنّه تواتر الأخبار منهم عليهمالسلام بأنّ كلّ ما يحتاج إليه الأمّة إلى يوم القيامة ورد فيه خطاب وحكم حتّى أرش الخدش ، وكثير ممّا ورد مخزون عند أهل الذكر عليهمالسلام ، وأنّه (٧) ورد في محالّ النزاع أحكام لا نعلمها بعينها ، وتواترت الأخبار عنهم بحصر المسائل في ثلاث : أمر بيّن رشده ، وبيّن غيّه أي مقطوع به لا ريب فيه ، وما ليس هذا ولا ذاك ، وبوجوب التوقّف في الثالث (٨) ، انتهى كلامه بألفاظه المحكيّة في الوافية.
__________________
(١) « ج » : أخبار.
(٢) « ج ، م » : حلّها ، وكتب عليها في « م » : جوابها.
(٣) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : بالحقيقة.
(٤) في المصدر : إسراء.
(٥) « ج ، م » والمصدر : ـ موضوع.
(٦) « ز ، ك » : ذاتا.
(٧) « ز ، ج ، م » : أنّه ، وفي المصدر : فعلم أنّه.
(٨) الوافية : ٢١٢ ـ ٢١٣.