العقل من حرمة ارتكاب شرب دواء مهلك وسلوك سبيل مضرّ ، فينتج حرمة الشرب والسلوك ، ولا غائلة فيه.
لا يقال : إنّ مورد حكم العقل هو الموضوع المعلوم ، وبعد تبدّله ظنّا لا موضوع فلا استصحاب.
لأنّا نقول : موضوع الحكم هو الواقع ، والعلم طريق إليه ، وباختلاف الطريق لا يختلف الواقع ، غاية الأمر كون النتيجة ظنّية ، لتبعيتها أخسّ مقدّماتها ، فإنّ العلم بثبوت الأكبر للأصغر في النتيجة تابع للعلم بثبوت الأكبر للوسط ، والظنّ به للظنّ (١) به ، كالشكّ فيهما ، كما هو ظاهر على من سلك سبيل (٢) النظر ، إلاّ أنّه غير خفيّ على أحد أنّه ليس من الاستصحاب في حكم العقل ؛ إذ لا شكّ فيه عند الشكّ في بقاء موضوعه ، بل إنّما هو من تعلّقه بموضوع مظنون وإن قلنا باعتباره من حيث إفادة الأخبار ذلك ، فلا يجري فيه الاستصحاب ؛ إذ قد عرفت فيما سبق أنّ معنى استصحاب الموضوع هو الأخذ بأحكامه السابقة والحكم بترتيب آثاره المعلومة ، ولا ريب أنّ ذلك إنّما هو بالنسبة إلى الأحكام التي تترتّب (٣) عليه شرعا ، وأمّا الأحكام العقلية والعاديّة فلا يحكم بترتّبها عليه بواسطة أنّها ليست من مجعولاته فلا يترتّب عليه ، فإذا استصحبنا الموضوع المشكوك كالمثال المفروض يحكم (٤) بآثاره الشرعية ولا يترتّب عليه حكم العقل بحرمة ارتكابه ، نعم لمّا كان الدليل العقلي عندنا دليلا على الحكم الشرعي فيحكم بترتّب الحكم الشرعي المدلول عليه بالحكم العقلي.
لا يقال : إنّ الحكم الشرعي مترتّب على الحكم العقلي ، وحيث لا يترتّب عليه فلا وجه للحكم بترتّب ما يتفرّع عليه كما يظهر الوجه في المقام الثاني.
لأنّا نقول : فرق بين المقامين ، فإنّ منع جريان الاستصحاب في الحكم العقلي إنّما
__________________
(١) « ز ، ك » : الظنّ.
(٢) « ز ، ك » : ـ سبيل.
(٣) في النسخ : يترتّب.
(٤) « م » : نحكم.