إذ لا يعقل في حكم العقل على شيء عدم علمه (١) بما هو معتبر فيه ، فالعقل إمّا يحكم بحرمة الظلم ووجوب ردّ الوديعة على وجه عامّ شامل لموضع (٢) الشكّ فلا يجري فيه الاستصحاب ، وإمّا يحكم بذلك في موضوع خاصّ نعلم بعدم تلك الخصوصية في موضع (٣) الشكّ فلا يجري فيه الاستصحاب أيضا كما لا يخفى.
فإن قلت : ما ذكرت إنّما يتمّ فيما إذا علمنا بمستند حكم العقل في الواقعة المتيقّنة (٤) ، وقد يكون حكم العقل بواقعة وقطعه بنسبة (٥) في قضيّة مردّدا بين أن يكون مستندا إلى عدّة أمور مختلفة يحكم به في زمان الشكّ على تقدير ولا يحكم به على آخر ، فيكون العقل في المقام مثل الإجماع ، ومثل ما إذا أدركنا شيئا بالحسّ فإنّ الموجود المحسوس إنّما علمنا به في بعض أزمنة وجوده ؛ إذ ليس يدرك بالحسّ وجوده في الأزمان المتأخّرة والمتقدّمة كما لا يخفى ، فالشكّ (٦) يحصل في موضوع حكم العقل لا أنّه يعلم انتفاء الموضوع عند الشكّ كما في موضوع الإجماع ، وقد تقدّم في بعض الهدايات السابقة (٧) وسيجيء في الخاتمة (٨) ـ إن شاء الله (٩) ـ أنّه قد يتسامح في الموضوع عرفا ، فعلى تقديره لا ضير في استصحاب حكم العقل كما في سائر الأحكام الشرعية.
قلت : إن أريد حصول العلم بواقعة مع قطع النظر عن قاعدة التحسين والتقبيح العقليين كما قد يحصل العلم بوقائع كثيرة في قضايا عديدة ، فالعلم بالحسن والقبح يتفرّع على هذا العلم كما في التوقيفيات والشرعيات نظرا إلى ما قرّر من تبعية الأحكام للصفات ، ففيه : أنّه خروج عن المتنازع فيه ؛ إذ لا ريب في أنّ ذلك مثل
__________________
(١) « ز ، ك » : علّته.
(٢) « ز ، ك » : لموضوع.
(٣) « ز ، ك » : موضوع.
(٤) « ز ، ك » : المنفية.
(٥) المثبت من « م » وفي سائر النسخ : بنسبته.
(٦) « ز ، ك » : والشكّ.
(٧) انظر ص ١٩٣.
(٨) المراد بها هدية تقدّم الاستصحاب ببقاء الموضوع في ص ٣٨٧ ـ ٣٨٨.
(٩) « ز ، ك » : ـ إن شاء الله.