وإذ قد تقرّر هذا (١) فنقول : إنّ العقل لو حكم بوجوب ردّ الوديعة أو قبح الظلم وحرمته فذلك الحكم العقلي إمّا ضروري غير محتاج إلى وسط في إثبات ذلك الحكم ، أو نظري محتاج فيه إلى وسط ينتهي إلى ضروري ؛ ضرورة امتناع الخلوّ عن القسمين ، والثاني يرجع إلى الأوّل بعد الانتهاء إلى ضروري كما لا يخفى ، والشكّ في الزمان الثاني إمّا أن يكون باعتبار فقد حالة معتبرة في موضوع حكم العقل ، أو ازدياد قيد لم يكن قبل كائنا ما كان ، فمع تلك الحالة إمّا أن يكون العقل حاكما في ذلك الموضوع بالحكم الأوّل ، أو لا يكون حاكما ، فعلى الأوّل فلا وجه للاستصحاب ، وعلى الثاني فإمّا أن يعلم باختلاف الموضوع بواسطة العلم بمدخلية تلك الحالة وجودا و (٢) عدما في حكم العقل أو لا يعلم ، فعلى الأوّل فموضوع الحكم منتف قطعا ولا بدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع ؛ إذ لا نقض ولا تناقض على تقدير الانتفاء ، لما هو معلوم من انتفاء التناقض بين القضيّة الموجبة ومنتفية (٣) الموضوع بعد وضوح اعتبار التناقض في محلّ الاستصحاب في القضيّة المعلومة والمشكوكة كما هو ظاهر ، وعلى الثاني أيضا لا مجرى للاستصحاب ؛ لعدم العلم بالموضوع ولا بدّ من إحرازه يقينا.
وما ذكرنا إنّما هو مسامحة مع الخصم ؛ إذ يحتمل أن يقال : إنّ العقل يحكم على موضوع معلوم من حيث إنّه القدر المعلوم في الحكم له على وجه لا يعلم اعتبار القيود المعتبرة في الموضوع في ثبوت نفس الحكم أيضا.
وإلاّ فالتحقيق : أنّ الشكّ في بقاء الموضوع وعدمه غير معقول ، فدائما إمّا أن يكون الوجود معلوما فالعقل الحاكم في الأوّل موجود في الثاني أيضا فلا حاجة إلى الاستصحاب ، وإمّا أن يكون العدم معلوما فلا وجه للاستصحاب ؛ لارتفاع الموضوع ؛
__________________
(١) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : هذه.
(٢) « ج ، م » : أو.
(٣) « ز ، ك » : منفيّة.