تحت موضوع الوسط فلا شكّ في اللاحق ، وإلاّ فالموضوع يقيني الارتفاع.
فتقرّر أنّ الأحكام العقلية ممّا لا يعقل (١) فرض الشكّ فيها ، والموضوع فيها دائما إمّا معلوم الوجود فلا شكّ ، وإمّا معلوم العدم فلا استصحاب ، وذلك بخلاف الإجماع كما إذا انعقد على نجاسة الماء المتغيّر ـ مثلا ـ فبعد زوال التغيّر يشكّ في بقاء الموضوع لا أنّه يعلم بعدمه ، فلو قلنا بالتسامح العرفي أو استكشاف الموضوع من ظواهر الأدلّة فنقول بجريانه ، وإلاّ فلا.
فإن قلت : إنّ غاية ما يلزم ممّا ذكر عدم جريان الاستصحاب في نفس الأحكام العقلية ، وأمّا الأحكام الشرعية التي يستدلّ عليها بها (٢) فلا ضير في استصحابها ، فإنّها بهذه الحيثية من الأحكام التوقيفية.
قلت : ذلك وهم باطل ؛ لأنّ كون تلك الأحكام توقيفية بهذه الحيثية لا ينافي القطع بارتفاع موضوعها كما في المقام ، فإنّ الحكم العقلي في محلّه وموضوعه دليل على الحكم الشرعي في ذلك الموضوع وقد ارتفع قطعا ، فلا ثمرة فيها أيضا ، وقد مرّ التنبيه على الفرق بين المقام وفيما إذا كان الشكّ في الموضوع فيما مرّ ، فراجعه.
فإن قلت : كما أنّ الأحكام العقلية المترتّبة على التحسين والتقبيح العقليين ممّا لا يمكن فرض الشكّ في موضوعاتها فكذا الأحكام الشرعية أيضا كذلك ؛ لابتنائها عند العدلية على المصالح الواقعية والمفاسد الحقيقية ، فلا بدّ من عدم جريان الاستصحاب فيها أيضا.
قلت : الفرق بين المقامين ظاهر وإن كانت الأحكام الشرعية مبتنية على الأحكام العقلية ؛ لعدم علمنا بالموضوع فيها ، حيث إنّها بموضوعاتها غائبة عنّا ونحن بمعزل عنها ، بخلاف الأحكام العقلية فإنّها معقولة لنا فيحصل العلم بالموضوع فيها دونها ،
__________________
(١) « ز ، ك » : لا يستقلّ.
(٢) « ز ، ك » : بها عليها.