نعم ، لا بدّ من ملاحظة أن لا يكون المقصود من إثبات المردّد بالاستصحاب إجراء أحكام أحد الأطراف عليه.
فإن قلت : إنّ المقام ليس من موارد الاشتغال ؛ إذ ما هو معلوم الوجوب غير ممكن الامتثال ، وما هو ممكن الامتثال غير معلوم الوجوب ، فالأصل البراءة. لا يقال : إنّ عدم إمكان الكلّ لا يضرّ في استصحاب وجوب الباقي كما في المطلق والمقيّد ، فإنّ قضيّة مطلق الاشتغال وجوب الامتثال بالمطلق أيضا. لأنّا نقول : إنّ الأخذ بالمقيّد لم يكن أخذا بما هو المكلّف به في الواقع وإنّما كان من وجوه الاحتياط ، بخلاف الإتيان بالكلّ في المقام فإنّ الأخذ به بعد (١) التمكّن منه والإتيان به إنّما هو الأخذ بما هو المكلّف به واقعا وليس من موارد الاحتياط ، فإنّه هو المتعيّن في حقّ المتمكّن ، وبعد تعذّر الكلّ لا مجال للاستصحاب.
قلت : لا فرق بين استصحاب المطلق بعد تعذّر المقيّد وبين استصحاب الباقي بعد تعذّر الكلّ.
وتوضيح ذلك وتحقيقه : أنّ من الواجبات الموسّعة ما لا يختلف أفراده إلاّ باعتبار اختلاف الأزمنة التي يقع الفعل فيها مع مماثلتها واتّحادها نوعا ، ومنها ما يختلف أفراده باعتبارات أخر أيضا ، كما في الصلاة بالنسبة إلى أحوال المكلّفين من الأمور التي تختلف عناوين الأحكام باختلافها كالسفر والحضر أو وجدان الماء وتعذّره والصحّة والمرض والعجز والقدرة ونحوها ، فإنّ الصلاة بالنسبة إلى كلّ من المسافر والحاضر شيء ، وبالنسبة إلى الواجد والفاقد شيء ، وبالنسبة إلى المريض والصحيح شيء ، وكذا العاجز والقادر (٢) ، فالمتّصف بالوجوب الموسّع هو القدر المشترك بين تلك الأفراد المختلفة شخصا ونوعا المتّحدة في كونها صلاة ، وليس خصوص صلاة الحاضر واجبا موسّعا ؛ ضرورة عدم وجوبها على المسافر ، ولا واجبا مضيّقا ؛ ضرورة حصول
__________________
(١) « ز ، ك » : لعدم.
(٢) « ج ، م » : والصحيح والعاجز والقادر شيء.