وأمّا الثاني : فلأنّ الاستصحاب في موارد الشكّ الساري بأجمعها يقضي بعدم التحقّق وعدم ثبوت الحكم ، فلا يجتمع معه في مورد.
وأمّا الثالث : فلأنّ المطلوب في مورد الاستصحاب إنّما هو تصحيح الأعمال المترتّبة على الوجود بعد حدوث الشكّ ، فهو يثمر في الأعمال المستقبلة غالبا وعلاج بالنسبة إليها ، والمطلوب في مورد الشكّ الساري إنّما هو تصحيح الأعمال الماضية الصادرة حال اليقين ، وإنّما الحاجة في صحّة العمل المترتّب على ذلك اليقين والشكّ في صحّة اليقين إنّما كشف عن الحاجة.
وإذ قد تقرّر الفرق بين المقامين فليس ينبغي أن يذهب وهم إلى أنّ ما ورد في أحدهما يصلح أن يكون دليلا في الآخر ؛ إذ لا جامع بينهما إلاّ مجرّد لفظ اليقين والشكّ ، وهل يصلح ذلك بعد وجوه (١) الاختلاف والتباين منشأ لمثل هذا التوهّم؟ وليت شعري فهل قول أبي جعفر عليهالسلام في صحيحة زرارة : « فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ » (٢) يمكن أن يجعل بيانا لحكم (٣) الشكّ في صحّة اليقين بعد سؤال السائل : الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة؟ فإنّ السؤال إنّما هو عن حكم المتيقّن بعد الوجود والشكّ في بقائه وارتفاعه ، ولا ربط بينه وبين حكم الشكّ في صحّة اليقين وتحقّق المتيقّن ، وهل يمكن أن يكون المراد به أعمّ من الشكّين بعد انتفاء الجامع بين متعلّق الشكّين واليقينين (٤)؟ كما أنّه لم يذهب وهم إلى أنّ قول الإمام : « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه » (٥) يعمّ الشكّ في وجود المشكوك فيه وعدمه بعد العلم بوجوده في الجملة.
نعم ، قد نبّهنا (٦) على ما يظهر من رواية الخصال في أحد احتماليه ، فإنّ قوله : « من
__________________
(١) « ز ، ك » : وجود.
(٢) تقدّم في ص ٨٨.
(٣) « ز ، ك » : بحكم.
(٤) « م » : اليقين.
(٥) تقدّم في ص ٣١٩ ـ ٣٢٠ وسيأتي في ص ٤٤٥.
(٦) نبّه في ص ١٠٤ وتقدّمت رواية الخصال في ص ١٠٣.