الاستصحاب في هذا القسم؟ الحقّ نعم لو لم نأخذ بضبط أمر الموضوع واعتمدنا في إحرازه على المسامحة العرفية ، وأمّا إذا قلنا بالتدقيق في الموضوع فلا يجري الاستصحاب ؛ لأنّ الموجود من الأجزاء في الأمور التدريجية قد ارتفع قطعا وغير الموجود في ذلك الزمان غير معلوم الوجود ، بل قضيّة الأصل عدمه ، إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم من ملاحظة كلمات العلماء أخباريا وأصوليا جريان الاستصحاب في تلك الأمور عندهم فلعلّ الأمر عندهم مبنيّ على التسامح ، وليس بذلك البعيد في أمثال الأمور المفروضة كالتكلّم والمشي فإنّ الموضوع عندهم أمر اتّصالي قارّ ولو بحسب ما يؤدّي إليه أنظارهم وإن كانت قاصرة عن الوصول إلى ما هو الواقع فيها وقد يتراءى أن يكون المستصحب هو العزم على التكلّم أو المشي ، أو المادّة في جريان النهر ، وعدم الاعتداد بما يمنع عن وقوع هذه الأمور بعد إحراز العزم والمادّة ، فيكون الاستصحاب مرجعه (١) إلى استصحاب الأمر العدمي ولا يعقل التدريج في الأمور العدمية (٢) ، هذا إنّما يتمّ في الأمور التدريجية التي تقع (٣) في الزمان ، وأمّا نفس الزمان فربّما يقوّى في النظر عدم جريان الاستصحاب فيه ولو بعد مراعاة المسامحة العرفية كما لا يخفى ، سيّما بعد ملاحظة ظهور أخبار الباب في مثل الزمان وعدم إمكان حصول الظنّ ببقائه.
نعم ، في الزمان استصحاب عدمي لا غبار عليه كاستصحاب عدم وصول الشمس إلى دائرة (٤) نصف النهار ، وعدم استتار القرص ، وعدم وصوله إلى الأفق (٥) ، ونحو ذلك كاستصحاب عدم طيّ المسافة المفروضة في البروج التي تدور الشمس في منطقتها (٦) ، إلى غير ذلك ، وقد عرفت أنّ تلك الأعدام ممّا لا يصحّ وصفها بالتدريجية ، بل هي أمور مستمرّة معلومة مستصحبة إلى زمن العلم بارتفاعها ؛ لوجود علّة الوصول إلى
__________________
(١) « ز ، ك » : فيكون مرجع الاستصحاب.
(٢) « ز ، ك » : التدريجية.
(٣) « ج ، م » : يقع.
(٤) « ج ، م » : ـ دائرة.
(٥) « ز ، ك » : الأرض.
(٦) « ز ، ك » : منطقها.