يمكن أن يتعسّف في المقام هو أن يقال : إنّ العرف ربّما يتخيّلون الموضوع في هذه الاستصحابات أمرا قارّا مستمرّا غير مختلف باختلاف الأفراد ولا متفاوت (١) بتفاوت الآحاد ، كما يظهر من استصحاب بقاء السلسلة الفلانية والقبيلة الكذائية ، أو استصحاب بقاء النوع أو عمارة البلد أو القرية مثلا ، فكأنّ المعلوم أوّلا عندهم هو ما يقضي (٢) بوجود ذلك النوع أو السلسلة (٣) كما عرفت في استصحاب جريان النهر (٤) ، ومنه حكمهم باستصحاب الحيض فيما رأت الدم بعد أيّام قرئها وقبل كمال (٥) العشرة ، ومنه الحكم باستصحاب النجاسة فيما لو زال التغيّر (٦) في جهة مع الشكّ في حدوث التغيّر من جهة أخرى. وكيف كان فليس (٧) أمر الاستصحاب عندهم مبنيّا على المداقّة حتّى أنّ من ذهب إلى تجدّد الأكوان وتبدّل الأمثال في الأعراض كالنظّام إنما يتمسّك بالاستصحاب فيما لو شكّ في بقاء الكون الموجود أو العرض (٨) المفروض مع اختلاف الأفراد المتتالية على تقدير الوجود ، ولهذا لم نر أحدا أحال الاستصحاب على بقاء الأكوان وتجدّد الأمثال وعدمه.
وبالجملة : الذي يظهر لنا عدم جريان الاستصحاب عند الدقّة في الصورتين الأخيرتين ؛ لأنّ المطلوب في هذا الاستصحاب وإن كان هو الأمر الكلّي الذي لا يختلف باختلاف الأفراد إلاّ أنّه لم يكن بنفسه موجودا معلوما وإنّما كان موجودا في الخارج باعتبار وجود الفرد ، فوجوده أوّلا قطعنا بارتفاعه ، وثانيا لم يعلم به ولو كان على تقدير الوجود غير مختلف مع الأوّل والأصل عدمه ، بل لو كشف الغطاء عن
__________________
(١) « ز ، ك » : يتفاوت.
(٢) « ج » : يقتضي.
(٣) في هامش « م » : ولعلّ الوجه في استصحاب بقاء السلسلة والنوع أو نسل بني فلان عدم العلم بانعدام الموجودين منهم فيخرج عن مفروض الصورة ، فتدبّر.
(٤) عرفت في ص ٣٤٥ ـ ٣٤٦.
(٥) « ج ، م » : تكامل.
(٦) « ج » : التغيير ، وكذا في المورد الآتي.
(٧) « ز ، ك » : فكيف كان ليس.
(٨) « ز » : الفرض.