الثاني (١) : أنّ من المعلوم عند الأمّة سيّما نحن معاشر الإمامية أنّ نبيّنا صلىاللهعليهوآله إنّما بلّغ عن ربّه غاية الإبلاغ وجاء بتمام محاويج العباد على المعتاد من غير إهمال فيه ولا تقصير منه تعالى عن ذلك ، ويدلّ على ذلك بعد مساعدة الاعتبار لكونه أفضل الأنبياء الكبار موافقة (٢) الأخبار عن السادة الأطهار عليهم من الصلاة أفضلها ومن السلام أنماها ما دجى الليل وأضاء النهار (٣) ومعاضدة كلمات العلماء الأخيار ولم يكلنا في حكم من الأحكام إلى (٤) شريعة من الشرائع السابقة حتّى أرش الخدش ، ومن المعلوم أيضا عندنا أنّه (٥) في مقام تأسيس الأحكام إنّما شرّع الأحكام الواقعية ولم يكتف بالأحكام الظاهرية في وجه ، فما كانت (٦) فيه مصلحة الوجوب فنبّه على وجوبه ، وما كانت (٧) فيه مفسدة الحرمة نبّه على حرمته ، فإنّ الحقّ أنّه لا يعقل الاتّكال على الأحكام الظاهرية في مقام التأسيس ، سواء كانت (٨) براءة أو استصحابا أو غيرهما ، فكلّ ما أوجبه بخصوصه فهو واجب ، وكلّ ما حرّمه فهو حرام ، وكلّ ما ندب إليه فهو مندوب ، وكلّ ما أعرض عنه فهو مكروه ، وكلّ ما لم يكن فيه أحد الوجوه فهو مباح حقيقة وواقعا من غير شوب الظاهرية فيه.
وإذ (٩) قد تقرّر هذا فنقول : إنّه لو وجد حكم من الأحكام الثابتة في الشريعة السابقة فالمستصحب إن أراد استصحابه من غير فحص فلا كلام في فساده ؛ لاشتراط العمل به على تقديره عند الكلّ بالفحص ، وإن أراد استصحابه بعد الفحص في شريعتنا فإن علم حكم الواقعة التي تكون من مجاري الاستصحاب في هذه الشريعة فلا كلام أيضا مخالفا أو موافقا ، وإلاّ فلا بدّ من الأخذ بأصالة البراءة ، فإنّ النبيّ إنّما
__________________
(١) تقدّم الأوّل منهما في ص ٣٦٢.
(٢) « ز ، ك » : بموافقة.
(٣) « ز ، ك » : ـ عليهم من الصلاة ... النهار.
(٤) « ج » : على.
(٥) « ز ، ك » : ـ أنّه.
(٦) في النسخ : كان.
(٧) في النسخ : كان.
(٨) في النسخ : كان.
(٩) « ز ، ك » : إذا.