بواسطة أدلّة اعتبارها مخصّصة ـ بالفتح ـ عن عموم قوله : « لا تنقض » وهذه الدعوى وإن كانت أقرب من الأولى إلاّ أنّه غير جار على التحقيق أيضا ؛ لمكان الفرق الواضح (١) بين الحكومة والتفسير وبين التخصيص ، ومنشأ التحكيم فيما نحن بصدده هو ما مهّدناه في المقدّمة الثانية من أنّ معنى اعتبار الدليل الاجتهادي ليس ما يظهر من صاحب المعالم (٢) أنّه من الأسباب الشرعية المحضة ، بل معناه ما عرفت من أنّ البيّنة من حيث إنّها حاكية عن مدلولها صادقة شرعا لا بدّ من طرح الأصول في قبالها والأخذ باحتمال الواقع وطرح احتمال خلافه وعدم الاعتناء بالشكّ ، ولهذا يكون لكلّ واحد من الأدلّة الاجتهادية جهتان : جهة موضوعية بها (٣) صارت (٤) حجّة شرعية ، وجهة طريقية لأجلها حكم الشارع باعتبارها (٥) شرعا ، فهي إذا برزخ بين الأسباب الصرفة والطرق الصرفة كالعلم مثلا ، فلو لاحظنا قوله : « لا تنقض اليقين » وقوله : « اعمل بالبيّنة » مثلا وتحقّقنا مفادهما نعلم بأنّ الثاني بيان للأوّل ، فكأنّ الثاني يفسّر (٦) الشكّ المعتبر في موضوع الاستصحاب وليس من التخصيص في شيء ، وممّا يدلّ على ذلك هو ما عرفته في المقدّمة الأولى من أنّ علامة البيان هو كونه لغوا لو فرض عدم المبيّن كما يظهر من (٧) أدلّة العسر والحرج وآيتي المسارعة (٨) والاستباق (٩) ، فإنّها (١٠) على تقدير أن لا يكون في الدين أمر أو نهي تقع لغوا صرفا ، بل يكون (١١) أضحوكة محضة (١٢)
__________________
(١) « ز ، ك » : الواقع.
(٢) لم نعثر عليه.
(٣) « ز ، ك » : ـ بها.
(٤) المثبت من « ج » ، وفي سائر النسخ : صار.
(٥) « ج ، م » : باعتباره.
(٦) المثبت من « م » ، وفي سائر النسخ : تفسير.
(٧) « ج ، م » : في.
(٨) قوله تعالى : ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) آل عمران : ١٣٣.
(٩) قوله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) البقرة : ١٤٨ ؛ المائدة : ٤٨.
(١٠) « م » : فإنّهما.
(١١) « ز ، ك » : « حتّى أنّه » بدل : « بل يكون ».
(١٢) « ج » : محضا.