نعم ، في المقام شيء يجب الالتفات إليه وهو أنّ الأفعال الصادرة عن الغير على وجوه متعدّدة : فتارة : لا يكون متعلقا لتكليف الحامل إلاّ على وجه عرضي فرضي ، كما لو باع شيئا وشكّ في صحّته وفساده ، وتارة : يكون متعلّقا لتكليفه فتارة : على وجه الوجوب الكفائي ، كما في دفن الأموات وكفنها والصلاة عليها والقضاء بين المسلمين ونحوها من الواجبات الكفائية المتعلّقة بجميع أرباب التكليف ، وأخرى : لا على وجه الوجوب الكفائي ، كما فيما (١) لو استناب أحدا ليعمل عنه عملا.
لا شكّ في جريان أصالة الصحّة في الأوّل وإن كان صحّة الفعل مؤدّيا إلى ما هو متعلّق بتكليف (٢) الحامل بالعرض ، كما لو نذر التصدّق بشاة مخصوصة باعها غيره ، فإنّ أصالة الصحّة في البيع المذكور يكفي في الحكم ببراءة ذمّته عن النذر فيما لو تصدّق بها كما أنّه لا ريب في كفاية أصالة الصحّة في الواجبات الكفائية ، ولذلك لا تراهم بعد علمهم بمباشرة واحد من أهل الكفّار بالفعل متفحّصين عن وجه الفعل وصحّته وفساده وليس ذلك إلاّ بواسطة الحمل على الصحّة.
وأمّا القسم الأخير فقد يظهر من جماعة اعتبار العدالة في النائب وعدم اكتفائهم بحمل فعله (٣) على الصحيح من حيث إنّه متعلّق بتكليفه وإن كان يحمل عليه من جهة تعلّقه بالفاعل ، مثلا لو استناب أحدا للحجّ الواجب عليه فأصالة الصحّة في فعل النائب يجدي في استحقاقه الأجرة ولا يجدي في الحكم ببراءة ذمّة المنوب عنه ، فاعتبروا في ذلك العدالة. وقد يشكل ذلك من حيث عدم ظهور الفرق بينه وبين القسم الثاني من الواجبات الكفائية ، ولعلّ الوجه في الفرق بينهما أنّ المطلوب في الواجب الكفائي هو وقوع الفعل صحيحا في الخارج فهو مركّب من أمرين : أحدهما : أصل وجود الفعل ، وثانيهما : كونه على وجه الصحّة ، وكلاهما محرزان ، أمّا الأوّل
__________________
(١) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : في.
(٢) « ج ، م » : لتكليف.
(٣) « ز ، ك » : فعلهم.