المطلق ، وما هو مجاز منه في الحقيقة خارج عن عنوان التقييد.
وإذ قد عرفت ما قدّمنا لك فاعلم أنّ المشهور القائلين بالمجازية أيضا زعموا أنّ التقييد مقدّم على التخصيص إذا دار الأمر بينهما ، فإن كان ذلك بواسطة الغلبة فربّما يتطرّق إليها المنع ، فإنّ ذلك ليس في مرتبة من الظهور بحيث لا يتطرّق إليه المنع كما هو الإنصاف ، بل ربّما يدعى خلافه وإن كان بعيدا في الغاية.
وإن كان بواسطة صحّة إطلاق المطلق كالرقبة على المقيّد كالمؤمنة دون العامّ على الخاصّ فإنّه لا يصحّ إطلاق العلماء على جماعة خاصة ويصحّ إطلاق الرقبة على المؤمنة ، فهذا إن لم يكن راجعا إلى ما هو التحقيق من أنّ المطلق لا يوجب التقييد (١) مجازا فيه ، ممّا لا دليل على اعتباره في استكشاف المرادات به.
وإن كان بواسطة أنّ العرف مع تساوي العلّتين ربّما يقدّمون التقييد على التخصيص فهو في محلّه إلاّ أنّ ذلك في الحقيقة يؤول إلى أنّ التقييد ليس مجازا ، ولعلّ السرّ في ذلك هو أنّ شمول المطلق للأفراد ليس شمولا وضعيا مثل شمول العامّ للأفراد ، ففيما إذا ورد العامّ في قبال المطلق تنهض العامّ بيانا للمطلق فيكون بمنزلة المقيّد للمطلق ويجب الأخذ به ورفع (٢) اليد عنه.
وتوضيح ذلك أنّ مراتب الأدلّة في حكومة بعضها على بعض [ و ] ورودها على آخر متفاوتة جدّا ، فربّ دليل يرتفع به الدليل الآخر وإن كان اجتهاديا كما عرفت من ارتفاع العامّ بالخاصّ وإن كان أوله في الحقيقة إلى أصل عملي ، ومنشأ ذلك فيها اختلاف دليليتها ، مثلا فيما نحن بصدده من المطلق وجه كونه دليلا في الأفراد ليس كونه موضوعا للأفراد كما أنّ العامّ موضوع لها ، بل قد عرفت أنّ المطلق موضوع للماهيّة المعرّاة عن جميع الاعتبارات واللواحق ، وعند إطلاقه يسبق إلى الذهن نفس المعنى ، وحيث إنّه لو كان المراد غير تلك الماهيّة المطلقة كان على المتكلّم أن يكشف عن
__________________
(١) « د » : التقيّد. « س » : التعبّد.
(٢) « س » : يرفع.