فنقول : أمّا موافقة الكتاب فتحقيق الكلام فيه يتوقّف على بيان وجوه المخالفة المتصوّرة بين الكتاب والخبر وهي على أنحاء شتّى : أحدها : أن يكون مفاد الخبر المخالف رافعا لموضوع الحكم الكلّي المستفاد من عمومات الكتاب ، مثل ما ورد في الموارد الخاصّة من أدلّة الأحكام المخالفة للأصول العملية المأخوذة من العامّ الكتابي كقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها )(١) ونحو ذلك.
وثانيها : أن يكون الثابت بالخبر أخصّ مطلقا ممّا ثبت بالكتاب ، مثل ما ورد من تخصيص وجوب الإنصات عند القراءة بحال قراءة الإمام (٢) ، ومثل ما ورد في وجوب الغسل على المريض المتعمّد بالجنابة وإن أصابه ما أصابه (٣) فإنّه تخصيص لقوله : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(٤).
وثالثها : أن يكون بين مفاد الخبر والكتاب عموما من وجه ولا يحضرني الآن مثالا لهذا القسم.
ورابعها : أن يكون المخالفة على وجه المباينة.
فعلى الأوّل : لا ينبغي الارتياب في تقديم الخبر على الكتاب ؛ إذ لولاه لم يثبت تكليف قطعا بالأخبار ، والسرّ فيه انتفاء المخالفة حقيقة وإنّما يظنّها مخالفة من لا يكاد يعقل معنى المخالفة ، كما أنّه لا إشكال في لزوم طرح الخبر على الرابع فإنّ الاخبار الآمرة بطرح الأخبار المخالفة للكتاب ربّما تعدّ (٥) من المتواترات وليس بذلك البعيد فإنّها زخرف لا بدّ من ضربها على الجدار.
__________________
(١) الطلاق : ٧.
(٢) انظر الوسائل ٨ : ٣٥٥ ، باب ٣١ ، باب عدم جواز قراءة المأموم خلف من يقتدي به في الجهرية ووجوب الإنصات لقراءته.
(٣) انظر التهذيب ١ : ١٩٨ ، باب ٨ ؛ الاستبصار ١ : ١٦٢ ، باب ٩٦ ؛ الوسائل ٣ : ٣٧٣ ، باب ١٧ ، باب وجوب تحمّل المشقّة الشديدة في الغسل لمن تعمّد الجنابة دون من احتلم.
(٤) البقرة : ١٨٥.
(٥) في النسخ : يعدّ.