وعلى ذلك فلا يرد عليه شيء من الوجوه المذكورة : أمّا الأوّل : فلاختصاص (١) كون الرشد في خلافهم بصورة التعارض ، وعلى إشكال في ذلك أيضا ؛ إذ الأخذ بعمومه ربّما يخالف الإجماع ، بل الضرورة.
وأمّا الثاني : فلأنّ أهل البيت أدرى بما في البيت ، فلعلّ المقام يقضي بالتقيّة على ذلك الوجه ولا دليل يقضي بامتناعه.
وأمّا الثالث : فلما عرفت من أنّ المقصود بذلك ليس إلاّ بيان وجه الاختلاف كما هو الإنصاف ، فراجعه متدبّرا ، وما ذكره من وجه الاختلاف ليس بذلك البعيد أيضا ، ويكشف عنه ـ مضافا إلى ما ذكره ـ رواية الخثعمي قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « من عرف أنّا لا نقول إلاّ حقّا فليكتف بما يعلم منّا ، فإن سمع منّا خلاف ما يعلم فليعلم أنّ ذلك دفاع منّا عنه » (٢) ويحتمل أن يكون الأخبار التي يتراءى اختلافها بحسب أنظارنا واقعة على وجه من الوجوه المحتملة في الواقع إلاّ أنّها خفيت (٣) علينا لقصورنا عن الإحاطة بجميع وجوه الواقع (٤) وأنحاء نفس الأمر ، ويؤيّد ذلك ما قد روي عنهم من النهي عن إنكار ما قد ينسب إليهم عليهمالسلام صونا عن وقوعنا في الكفر من حيث لا نشعر ، ومن هنا أفتى بعضهم بحرمة الإنكار عند سماع الخبر والرواية ، ويستعلم ذلك من بعض التعليلات الواردة في الروايات القاصرة عنها عقولنا كقولهم : « ربّ الماء ربّ التراب » (٥) وممّا روي (٦) أنّ بعض أهل العراق سألهم (٧) أنّه كم آية يقرأ في الزوال؟ فقال عليهالسلام : « ثمانون » ، ولم يعد السائل سؤاله في توضيحه وانصرف ، فقال الإمام عليهالسلام : « وهذا يظنّ أنّه من أهل الإدراك مع أنّه لم يستفسر عمّا قلت له من وجوبه وندبه وسائر كيفياته » ،
__________________
(١) « س » : فلأنّ اختصاص.
(٢) الوسائل ٢٧ : ١٠٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٣ ؛ البحار ٢ : ٢٢٠ و ٢٤٤ ، باب ٢٩ ، ح ١ و ٤٧.
(٣) « س » : جعلت.
(٤) « س » : الترافع.
(٥) الوسائل ٣ : ٣٧٠ ، باب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٥ و ١٧.
(٦) عطف على « من النهي ... ».
(٧) سأل عن الصادق عليهالسلام.