وجه للرجوع إلى أصل ثالث مخالف لهما ؛ للقطع بارتفاع الأصل المخالف بواسطة العلم الإجمالي بأنّ الواقع في أحدهما فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما حينئذ أو التخيير العقلي بين الاحتمالين.
قلنا : في المقام مطلبان : أحدهما : أنّ بعد القول بحجّية الأخبار من حيث الطريقية لا بدّ من التوقّف وعدم جواز التخيير بينهما ، الثاني : أنّه لا يجوز الرجوع إلى أصل ثالث مخالف لهما ، أمّا الأوّل فلما عرفت من دوران الأمر بين الطريق وما هو ليس بطريق من دون ترجيح لأحدهما على الآخر ، وأمّا الثاني : فلاعتضادهما في نفي الثالث كما يومئ إليه عمل العقلاء فيما هو طريق إلى مطالبهم ، فالأصل فيما هو حجّة من حيث كونه طريقا هو التوقّف ، سواء كان طريقا للأحكام أو الموضوعات ، إلاّ ما خرج بالدليل كالأخبار فإنّها على ما هو التحقيق حجّيتها بالخصوص مع قطع النظر عن دليل الانسداد من حيث الطريقية ، ومع ذلك فنقول فيهما بالتخيير بواسطة إطلاق أخبار التخيير.
فإن قلت : من البعيد جدّا أن يكون أخبار التخيير واردة على خلاف القاعدة المعمولة عند العقلاء وقد مرّ (١) أنّ الحكم بالتخيير إنّما هو فيما إذا قلنا باعتبار أمارة تعبّدا من غير ملاحظة الطريقية ، ولازم ذلك إمّا القول باعتبار الأخبار تعبّدا ، وإمّا القول بعدم التخيير فيما هو حجّة من باب الطريقية.
قلنا : نعم ولكنّ الإنصاف أنّ الأدلّة الدالّة على حجّية الأخبار ظهورها في كونها طرقا واقعية ممّا لا مجال لإنكاره فالعمل عليها لعلّه أقرب ، وأمّا الأخذ بأخبار التخيير في المقام فلا ضير في كونه تعبّديا عند عدم إمكان الوصول إلى الواقع ، كأن يكون التخيير أيضا من الأصول العملية التي حكم به الشارع فيما لا دليل على التعيين مع عدم إمكان إحراز الواقع كما أنّه لا بعد في جعل الشارع الأخذ بالحالة السابقة
__________________
(١) مرّ في ص ٦٥٢.