وعدم معقوليته في وجه آخر كما عرفت ذلك مفصّلا (١).
فإن قلت : قد قرّر في مقامه أنّ الشارع إذا طلب شيئا فيمتنع أن يرخّص في ترك الامتثال ؛ لأنّ ارتفاع الأمر منحصر في النسخ أو البداء أو الامتثال ، والأخير مفروض الانتفاء ، والأوّلان فاسدان أيضا كما هو ظاهر ، وأمّا إذا جعل بدلا عمّا هو المطلوب فيصحّ الاقتناع بالبدل وترك الامتثال بما يوجب اليقين بوقوع المطلوب فيه.
فنقول : إذا علمنا إجمالا بوجوب شيء مردّد بين أمور فلو جوّز الشارع ترك الامتثال عن ذلك الواجب المردّد يلزم ما ذكرت من اللوازم الفاسدة ، ولم لا يجوز أن يجعل الشارع بدلا عمّا هو المطلوب الواقعي في تلك الأمور بأن يقتنع بترك بعض المحتملات ويجوّز ارتكاب البعض فيحكم بأنّ ارتكاب أحد الإناءين غير جائز بدلا عمّا هو النجس في الواقع ، وارتكاب الآخر ممّا لا ضير فيه كما أذن بذلك فيما إذا اشتبهت القبلة بين جهات عديدة؟
قلت : نعم وذلك أمر معقول ولكنّ الكلام فيما يدلّ على ذلك ولا يمكن أن يكون دليل ذلك دليل الأصل ، وتوضيح ذلك : أنّ مفاد قوله : « لا تنقض » هو النهي عن عدم ترتيب الآثار المترتّبة على المعلوم سابقا ، وكذا مفاد قوله : « كلّ شيء مطلق » (٢) مثلا هو ترخيص عدم ترتيب آثار التكليف على المشكوك ، وكذا قوله : « كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه » (٣) مثلا يستفاد منه الإباحة الظاهرية للمشكوك ، والدليل (٤) الدالّ على البدلية لا بدّ من أن يكون مفاده بدلية أحد الأطراف عن الواقع بحيث لو فرض ترك الواقع في خلال العمل بالبدل لم يكن المكلّف معاقبا ، كما في الأدلّة (٥) الدالّة على ترخيص الترك فيما إذا اشتبهت القبلة.
__________________
(١) عرفت في ص ٦٥٤.
(٢) تقدّم في ج ٣ ، ص ١٥٩.
(٣) تقدّم في ج ٣ ، ص ٣٥٩.
(٤) المثبت من « د » وفي سائر النسخ : دليل.
(٥) في النسخ : أدلّة.