للمرتكزات العقلائية ، وظهور الآية الشريفة في إمضائها ، كما سبق.
الثاني : أن الحذر لم يجعل غاية لمطلق الإنذار وإن كان من واحد ، بل لإنذار الطائفة ، وإخبارهم بأمر واحد يوجب غالبا العلم به مع كونهم ثقات ، خصوصا في عصر صدور الآية ، حيث لم يؤلف الكذب في الأحكام الشرعية على صاحب الشريعة ، ويندر الخطأ مع أخذ الحكم منه مباشرة ، ويصعب انتشار خلاف الواقع عليه مع تيسر بيان الواقع له. وعليه لا تكون الآية واردة لإمضاء سيرة العقلاء الارتكازية بل لبيان لزوم الاستعانة بالغير في تحصيل العلم لمن وجب عليه تحصيله ولا يتيسر له تحصيله بنفسه. ويشهد به ما ورد من الاستشهاد (١) بها على لزوم النفر لمعرفة الإمام مع أنه لا بد فيه من العلم.
ودعوى : أن ظاهر مقابلة الجمع بالجمع إرادة الاستغراق والانحلال ، فالمعنى أن كل واحد من الطائفة ينذر بعضا من قومه.
مدفوعة بأن ظهور مقابلة الجمع بالجمع في الاستغراق والانحلال مختص بما إذا أخذ عنوان لا يصدق على الجمع ، كما في مثل : أكرموا جيرانكم وأدبوا أولادكم ، لوضوح أن علاقة الجوار والبنوة لا تقوم بالمجموع ، بل بكل جار وجاره وأب وابنه بنحو الانحلال ، دون مثل المقام حيث تكون نسبة القوم لأفراد الطائفة نسبة واحدة ، فإن حمله على التفريق وإن كان ممكنا إلا أنه يحتاج إلى دليل. على أن إنذار تمام أفراد الطائفة للقوم ولو مع تفرقهم فيهم موجب للعلم غالبا إن اتفقوا ، وإن اختلفوا ظهر اختلافهم ولزم التوقف على كل حال ، وخرج عن مفاد الآية. فتأمل جيدا.
نعم ذكر بعض الأعاظم قدسسره أن التكليف بكل من التفقه والإنذار والحذر استغراقي انحلالي ، لا مجموعي ارتباطي ، فيجب على كل واحد القيام بها وإن
__________________
(١) الكافي ج : ١ ص : ٣٧٨ كتاب الحجة باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام حديث : ١ ، ٢.