الفعل بنفسه تمردا على المولى وانتهاكا لحرمته وخروجا عن مقتضى العبودية له ، والقبح المذكور كاشف عن حرمة الفعل شرعا ، لقاعدة الملازمة بين الحكم العقلي والحكم الشرعي التي لا إشكال فيها مع كون الفعل علة تامة في القبح ، كما في المقام.
وفيه : أن الحسن والقبح المستلزمين للتكليف شرعا هما التابعان لذات العمل أو للملاكات الثابتة فيه ، دون ما ينشأ من التكليف الشرعي ويترتب عليه بعنوان ثانوي كالطاعة والمعصية والانقياد والتجري ونحوها مما يتفرع على التكليف ، حيث لا إشكال في عدم استتباعه التكليف ، وإلا لتسلسل.
الثالث : أنه مقتضى الأدلة الشرعية التعبدية ، حيث ادعي الإجماع على أن من اعتقد أو ظن ضيق الوقت فأخر الصلاة عصى وإن انكشف سعته ، وعلى أن من سلك طريقا يقطع أو يظن بترتب الضرر عليه عصى ووجب عليه الاتمام وإن انكشف عدم الضرر. وفي موثق سماعة : «سألته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما هو ذا ، وقال الآخر : ما أرى شيئا. قال : فليأكل الذي لم يستبن [يتبين] له الفجر ، وقد حرم على الذي زعم أنه رأى الفجر ، إن الله عزوجل يقول : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)» (١) ، فإن مقتضى إطلاقه ثبوت الحرمة في حق من زعم أنه رأى الفجر وإن كان مخطئا.
لكن الجميع ـ مع اختصاصه بمورده ـ لا ينهض بالمدعى ، لعدم ثبوت الإجماع المذكور بنحو يصلح للحجية ، ولا سيما مع تصريح العلامة في محكي التذكرة بعدم المعصية بتأخير الصلاة مع ظهور سعة الوقت ، وعن النهاية والبهائي من التوقف في ذلك ، بل عن الشهيد في محكي قواعده التنظر في تأثير
__________________
(١) الوسائل ج : ٧ باب : ٤٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك حديث : ١.