التكليف مع العلم بعدم تأثيره لذلك ، لتمرد المكلف على المولى ، استهوانا به ، أو لمنع القوى الشهوية والغضبية من تأثير تكليفه فيه.
بل ليس قوام التكليف إلا جعل السبيل على المكلف ، لإحداث الداعي العقلي للامتثال وإن لم يؤثر في نفس المكلف. كما يظهر مما تقدم عند الكلام في حقيقة الأحكام التكليفية من مقدمة علم الأصول.
ومن ثم فقد يشكل مانعية عدم الابتلاء من فعلية التكليف بأنه لا مانع من جعل المسئولية بالإضافة إلى ما هو خارج عن الابتلاء ، لأن مجرد تحقق مقتضى التكليف بمقتضى وضع المكلف مع قطع النظر عن التكليف لا ينافي جعل المسئولية فيه من قبل المولى ، بحيث يكون محسوبا عليه.
لكنه يندفع بأن مصحح التكليف وجعل المسئولية هو كونه محركا نحو العمل ، لا بنحو يقتضي ترتب العمل عليه فعلا ، بل بمعنى داعويته له ، ومع ترتب مقتضى التكليف مع قطع النظر عنه وعلى كل حال تلغو الداعوية وجعل المسئولية ، ولا تكون فعلية بل اقتضائية لا غير. وذلك هو المعيار في التنجيز والتعذير أيضا ومن ثم لا يكون التعبد بمؤدى الحجج والأصول فعليا في موارد عدم الابتلاء بالنحو المذكور.
هذا ولعل الرجوع لسيرة المتشرعة كاف في استيضاح ما ذكرنا من عدم فعلية التكليف في موارد عدم الابتلاء ، لعدم اعتنائهم ارتكازا بالتكليف الإجمالي في المورد المذكور ، فلا يكون العلم منجزا عندهم في الأطراف التي هي مورد الابتلاء ، ومن القريب جدا ابتناء ذلك منهم على ما ذكرناه من الوجه الارتكازي.