بحدّ لا مجال معه لإنكارها ، كما لا مجال لتخطئتها بعد عمومها للمتدينين ، ومطابقتها لمرتكزات المتشرعة ، حتى ينسب مخالفها للوسواس. بل لو لا ذلك للزم الهرج والمرج واختل نظام المعاش والمعاد.
ولعل دعوى الإجماع مبنية على السيرة المذكورة ، لقلة المتعرضين للعنوان المذكور ، وتأخر عصورهم ، كما يظهر بمراجعة مفتاح الكرامة. فكأنه إجماع ارتكازي ، لا فتوائي.
هذا وقد يستشكل في الاستدلال بالإجماع المذكور بوجهين «أحدهما» : عدم وضوح كونه إجماعا تعبديا ، لقرب استناده لأحد الوجوه الآتية أو غيرها ، فيلزم النظر في دليله.
ويندفع بأن استناد الإجماع والسيرة والضرورة لأحد الوجوه المذكورة وإن كان قريبا ، إلا أنه لا مجال لاحتمال خطئها ـ بحيث يمكن الخروج عنها لو لم تتم الوجوه الآتية عندنا ـ بعد وضوحها وارتكازيتها ، واتصالها بعصور المعصومين عليهمالسلام ، لشيوع الحرام في جميع العصور ، بنحو يعلم إجمالا بالتعرض له في الأموال والأعمال ، فلو وجب الاحتياط فيه لورد التنبيه عليه بنحو يمنع من حصول السيرة وارتكازيتها وجري النظام عليها.
«ثانيهما» : أن وجوب الاحتياط مع العلم الإجمالي لما كان عقليا فلا مجال لرفع اليد عنه بالأدلة الشرعية التعبدية ، لفظية كانت أو لبّية كالإجماع.
ويندفع بما سبق في أول الكلام في العلم الإجمالي من إمكان رفع الشارع موضوع حكم العقل المذكور برفع فعلية التكليف المعلوم بالإجمال ، أو بالتعبد بالامتثال في بعض الأطراف ، أو بالاكتفاء بالموافقة الاحتمالية. والإجماع والسيرة يصلحان لإثبات أحد هذه الأمور في موارد الشبهة غير المحصورة لو فرض عموم حكم العقل بوجوب الاحتياط لها.