لدعوى اعتمادهم في تلك الفروع على هذه الأخبار ، وانجبار ضعفها بذلك.
وأما الدلالة فهي لا تخلو عن قصور في الجميع.
أما الأول ـ وهو النبوي ـ فلأن «من» وإن كانت ظاهرة في التبعيض ، إلا أن التبعيض يكون .. تارة : بلحاظ الوحدة النوعية ، فيكون البعض هو الفرد من الكلي ، فيرجع الحديث للاكتفاء بالميسور من الأفراد ، ويكون أجنبيا عما نحن فيه وأخرى : بلحاظ الوحدة الاعتبارية بين الأمور المتكثرة ، فيكون البعض هو الجزء من الكل ، وهو الذي ينفع في محل الكلام.
ومن الظاهر أنه لا مجال لحمل الحديث عليهما معا ، لعدم الجامع العرفي بينهما بعد اختلاف الجهة المصححة للتبعيض. كما لا قرينة على حمله على الثاني. بل لا مجال له بعد احتياجه إلى نحو من العناية في فرض الشيء المأمور به مركبا ذا أجزاء ، بخلاف الأول ، لأن المأمور به لا ينفك عن كونه كليا ذا أفراد. ومن ثم كان الحمل عليه مناسبا لإطلاق الشيء في الحديث.
ولا سيما بلحاظ قرب أخذه مما في مجمع البيان مرسلا (١) ، ورواه العامة ، فعن مسلم والنسائي والترمذي في صحاحهم عن أبي هريرة قال : «خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. فقال رجل : أكل عام يا رسول الله؟ فسكت ، حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لو قلت : نعم ، لوجبت ، ولما استطعتم. ثم قال : ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» (٢).
إن قلت : الحمل على إرادة التكرار لا يناسب عمل الأصحاب ، ولا سيرة
__________________
(١) مجمع البيان المجلد الثاني ص : ٢٥٠.
(٢) التاج الجامع للأصول ج : ٢ ص : ١٠٨.