بل بعنوان الجهل بحكمه ، المتأخر رتبة عن جعل الحكم الواقعي ، والملزم بكون المجعول هو الوظيفة العملية عند الشك فيه ، وأن الحكم ليس بالحل والطهارة ، بل بالتعبد بهما والبناء عليهما عملا في ظرف الشك فيهما الذي هو مفاد قاعدتي الحل والطهارة الظاهريتين ، دون الواقعيتين.
نعم لا يبعد التفكيك بين الصدر والذيل ، بحمل الأول على الطهارة الواقعية ، والثاني على الطهارة الظاهرية في خصوص حديث حماد المختص بالماء ، بتقريب : أن حمل الصدر فيها على بيان الطهارة الظاهرية موجب لإلغاء خصوصية الماء ، وتقييده بخصوص الماء المشكوك ، مع كون خصوصيته كعمومه الأفرادي ارتكازيا ، فأنس الذهن بذلك موجب لاستحكام ظهور الصدر في بيان عموم طهارة الماء بحسب أصله واقعا ، الملزم برفع اليد عن ظهور الغاية في كونها غاية للحكم المذكور في الصدر ، وتنزيلها على كونها غاية للعمل على الحكم المذكور وترتيب الأثر عليه ، فكأنه قيل : الماء كله طاهر ، فليعمل على ذلك حتى يعلم أنه قذر.
وذلك شايع في الاستعمالات الشرعية ، نظير قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(١) وقوله عليهالسلام في موثق عمار بعد أن سئل عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب : «كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه ، إلا أن ترى في منقاره دما» (٢).
لوضوح أن غاية جواز الأكل والشرب واقعا هو طلوع الفجر ، لا تبينه ، وغاية جواز الشرب من سؤر الطير واقعا هو وجود الدم على منقاره ، لا رؤيته ، وليس التبين والرؤية إلا غاية للجواز الظاهري عند الشك في طلوع الفجر
__________________
(١) سورة البقرة الآية : ١٨٧.
(٢) الوسائل ج : ١ باب : ٤ من أبواب الأسئار حديث : ٢.