تحديد الموضوع لما كان هو تحصيل الضابط لاتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة ، بحيث تكون بقاء لها ، تعين كون المعيار في المقام على المعنى الثاني ، لأنه المقوم للقضية ، والذي يكون تعدده موجبا لتعددها ، ووحدته شرطا في وحدتها واستمرارها. ولا أثر لاختلاف العلة في ذلك.
وحيث اتضح ذلك فاللازم التعرض لأمور يتم بها الكلام في المقام.
أولها : أن الشك في العنوان المأخوذ في الكبريات الشرعية التي تقع موردا لعمل المكلف .. تارة : يتعلق بمفهومه ، كالشك في مفهوم الحج والصلاة والصعيد والغناء وأخرى : يتعلق بتطبيقه مع وضوح مفهومه ، كالشك في تحقق البيع والإقالة والطلاق ببعض الألفاظ الخاصة ، والشك في صدق الماء مع امتزاجه بشيء من الخليط. وفي كليهما يتعين الرجوع للشارع مع تعرضه للجهة المشكوك فيها.
ومع عدمه فمقتضى الإطلاق المقامي لدليل الكبرى الشرعية الإيكال للعرف فيهما. لأنه بعد فرض كون الكبرى عملية ، وتوقف العمل بها على إحراز صغراها في الخارج ـ المتفرع على تحديد المفهوم ثم انطباقه على ما في الخارج ـ فخطاب الشارع للعرف بها ، مع إهماله التعرض لذلك ، ظاهر في إيكال تطبيقها لهم حسبما يتيسر لهم ، ويصلون إليه بالوجه المتعارف بينهم. وإرادة خلاف ذلك تحتاج إلى عناية وتنبيه ، ولا مجال للبناء عليها بدونه.
نعم لا بد من كون تطبيق العرف للمفهوم على ما في الخارج حقيقيا بنظرهم ، ولا مجال للاكتفاء بتطبيقاتهم التسامحية المبنية على نحو من المجاز وإعمال العناية ، لخروجها عن ظاهر الإطلاق ، حيث لا يعولون عليها في خطاباتهم. ومن هنا أفتى الفقهاء بعدم التسامح في موارد التحديد ، كالأوزان والمسافات ونحوها.