مرسل اللؤلؤي (١).
على أن ذلك هو الموافق للاعتبار ، لابتداء الدعوة للإسلام بين أقوام مشركين غالبا ، وليسوا أهل دين ، وهم يجهلون أحكام الشرائع السابقة ، ولم يألفوا العمل بها ، وظروف الدعوة لا تناسب فرض تلك الأحكام ، ولا غيرها من الأحكام العملية ، بل لا بد أولا من تركيز الدين ـ كعقيدة ـ واستحكام أصوله في النفوس والمجتمع ، والاعتراف به كحقيقة ثابتة قبل فرض سيطرته العملية في الحياة بتشريع أحكام العبادات والمعاملات.
ولا سيما وأن أحكام الشرائع السابقة لم تكن من الوضوح بحدّ يمكن معه الرجوع إليها والعمل بها ، لأن معتنقي تلك الشرائع قد حرّفوا أحكامها وضيعوا معالمها وكتموا كثيرا منها ، ولا يتيسر العلم بها إلا من طريق النبي صلىاللهعليهوآله ، ولم يعرف عنه أنه تصدى لبيانها لأتباعه ليعملوا عليها. ولذا كانت التشريعات الإسلامية بلسان التأسيس لا بلسان النسخ والتعديل لأحكام الشرائع السابقة.
بل لا إشكال ظاهرا في تأخر تشريع كثير من مهمات الفرائض ـ كالصلاة والزكاة والصوم ـ مع وجود نظائرها في الشرائع السابقة من دون أن يعمل عليها المسلمون قبل تشريعها في الإسلام.
ومن هنا كان من القريب جدا نسخ الشرائع السابقة بجميع أحكامها العملية ببعثة النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم تأسيس الشريعة تدريجا بعد مرور فترة خالية من الأحكام قد ترك فيها الناس على ما كانوا عليه في الجاهلية من أعراف وعادات في نظام الحياة.
نعم أهل تلك الشرائع ملزمون بأحكامها في الفترة المذكورة ، إما ظاهرا بمقتضى أصالة عدم النسخ قبل قيام الحجة عندهم على الإسلام ، أو واقعا ،
__________________
(١) روضة الكافي حديث : ٤٥٧ ص : ٢٩٧. والبحار في ذيل الحديث السابق.