أدلة الأصول ليس لخصوصيته خاصة ، بل بما هو طريق فيقوم مقامه سائر الطرق ، ومرجع ذلك إلى أن الغاية مطلق الطريق ، بل مطلق الإحراز ولو بالأصل ، فلا ينافي طريقية غير العلم وحجيته شرعا ، لينهض بالاستدلال في المقام. ويأتي في الفصل الأول ما ينفع المقام.
الأثر الثاني : جواز التدين بمؤدى الحجة ونسبته للمولى والفتوى بمضمونه تكليفا. وليس هو أثرا مهما في المقام ، لعدم دخله بمقام العمل بالحجة ، بل هو حكم فرعي خارج عن محل الكلام.
ويقتضيه ـ مضافا إلى الآية المتقدمة بالتقريب المتقدم ـ قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ)(١) ، والنصوص الكثيرة الدالة على حرمة الفتوى والتدين بغير علم ، وما تضمن أن القضاة أربعة ثلاثة منهم في النار وهم من يقضي بالباطل وهو لا يعلم ، ومن يقضي به وهو يعلم ، ومن يقضي بالحق وهو لا يعلم ، وما تضمن من أن حق الله على العباد الوقوف عند ما لا يعلمون (٢). مضافا إلى الإجماع المعتضد بالمرتكزات المتشرعية.
والمستفاد من مجموع الأدلة أن موضوع الحرمة هو عدم العلم بالواقع ولا بقيام الحجة ، فيحرم واقعا التدين والفتوى بالشيء ولو مع ثبوته واقعا ، ومع العلم بأحدهما يجوز واقعا التعبد والفتوى بالشيء ولو مع عدم ثبوته واقعا.
وبذلك يظهر أن أصالة عدم الحجية لا أثر لها في المقام ، إذ يكفي في حرمة التدين والفتوى الشك في الحجية الحاصل بالوجدان بلا حاجة إلى التعبد بعدمها بالأصل ، وهذا بخلاف مقام العمل بالحجة ، حيث سبق عدم لغوية
__________________
(١) سورة الحاقة الآية : ٤٤ ـ ٤٧.
(٢) راجع الوسائل ج : ١٨ باب : ٤ من أبواب صفات القاضي.