عزوجل يقول : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١)».
على أنها لو دلت على ذلك فهي ـ ككثير من الأخبار المتضمنة أنه لا عمل إلا بعلم ، وأن من عمل على غير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه (٢) ـ منصرفة إلى من لا يعلم لا بالواقع ولا بالحجية ، ولو لأنه مقتضى الجمع بينه وبين ما دل على حجية كثير مما لا يفيد العلم ، فإن الجمع بذلك أقرب من الجمع بتخصيص العموم المذكور ، فإنه آب عن التخصيص عرفا ، لانصرافه إلى بيان معنى ارتكازي. فهو نظير ما ورد من أن العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعدا. وحينئذ لا تنهض ببيان عدم حجية ما لا يفيد العلم واقعا ، ليتجه الاستدلال بعمومه مع الشك في الحجية.
وأما ما تضمن عدم الاعتماد على الظن فهو وإن كان ظاهرا في عدم حجيته في مقام العمل ، إلا أنه إنما يدل على عدم حجية الظن بما هو ظن ، ولا ينافي حجية بعض ما يوجب الظن نوعا بخصوصيته ، كخبر الثقة.
مع أنه ظاهر في الإشارة إلى أمر ارتكازي عقلائي لا تأسيسي للشارع تعبدي ، ولذا ورد مورد الذم والتبكيت للكفار والاحتجاج عليهم ، ولا يحسن الاحتجاج عليهم بالقضايا التعبدية الصرفة ، فيختص بالظنون غير المعتمدة عند العقلاء.
نعم قد يستدل بإطلاق أدلة الأصول المتضمنة عدم رفع اليد عنها إلا بالعلم ، فإن مقتضى الحصر المذكور عدم ترتب العمل على غير العلم ، بل لزوم العمل بمقتضى الأصل ، وهو راجع لعدم حجيته في مقام العمل.
لكن الظاهر ولو بضميمة أدلة حجية الحجج غير العلمية أن أخذ العلم في
__________________
(١) الوسائل ج : ١٨ باب : ٤ من أبواب صفات القاضي حديث : ٣٦.
(٢) راجع الوسائل ج : ١٨ باب : ٤ من أبواب صفات القاضي.