قلت : هو إرجاع ما يكون الشكّ فيه من حيث احتمال مانعية الشيء شرعا ـ كالمذي والاستنجاء بحجر ذي ثلاث شعب ـ إلى ما يكون الشكّ فيه من جهة الصدق حتّى يقال بجريان الاستصحاب فيه ، وبيان الرجوع فبانتزاع مفهوم عامّ يشكّ في صدقه على المشكوك (١) المانعية كأن يقال : إنّ الوضوء باق إلى حدوث المزيل ، والنجاسة باقية إلى حدوث ما يرتفع بها ، ويشكّ في صدق المزيل على المذي كالرافع على الحجر المذكور فيؤخذ بالاستصحاب في دفع الشكّ.
وخلاصة ما أجاب به عن ذلك هو أنّه لا وجه للإرجاع المذكور ؛ إذ المناط على العناوين الموجودة في كلام الشارع وليس في كلامه ما يدلّ على بقاء النجاسة إلى حدوث ما به يرتفع (٢) قطعا ، فانّ الإجماع المدّعى على ذلك ممنوع ، نعم العقل قد انتزع هذا العنوان من قبل نفسه ولا يناط عليه كما هو ظاهر.
ونظير ما أورده في المقام ودفعه كثير (٣) كتوهّم البعض عدم جواز الأخذ بالعمومات والأصول الكلّية بعد العلم بوصول التخصيص بها إجمالا. وقد أجبنا عنه بأنّ العامّ المخصّص بالمجمل إنّما يقصر عن الحجّية فيما لم يكن الإجمال انتزاعيا عقليا كما إذا قال الشارع : « أكرم العلماء إلاّ بعضهم » وأمّا فيما مثل المقام (٤) فذلك يوجب الفحص على وجه لا يبقى معه العلم الإجمالي بالمخصص وبعد ذلك فظاهر العامّ محكّم ، ومنه حسبان بعضهم عدم جواز التمسّك بقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(٥) عند الشكّ في وجوب الوفاء بعقد ؛ لتخصيصه بالعقود الجائزة قطعا ، فعند الشكّ لا يعلم بدخول المشكوك في عنوان المخصّص أو المخصّص ، والجواب عنه أيضا ما عرفت من عدم الاعتبار بعنوان المخصّص الانتزاعي. ومنه أيضا توهّم عدم جواز التمسّك بقوله : « صلّ » لإثبات صحّة صلاة مشكوكة ؛ إذ المراد بالأمر ما لا يكون فاسدا ، وفيه أيضا أنّ الصحّة والفساد
__________________
(١) كذا. ولعلّ الصواب : مشكوك.
(٢) « ج » : يرتفع به.
(٣) هذا هو الصواب وفي « ج ، م » : كثيرة ، وفي « ز ، ك » : كغيره.
(٤) « ز ، ك » : وأمّا في مثل المقام.
(٥) المائدة : ١.