فكيف يتأتّى إنكار جعل الوضعيات؟ فمن ذلك قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » (١) ، و « لا صيام لمن لم يبت (٢) الصيام من الليل (٣) » (٤) و « لا عمل إلاّ بنيّة » (٥) و « البيّعان بالخيار » (٦) و « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (٧) إلى غير ذلك من الأحكام التي لا حصر فيها.
قلت : لا خفاء في أنّ الشارع إنّما حكم في تلك الأدلّة والقضايا بثبوت تلك المحمولات لموضوعاتها ، وقد عرفت أنّ الحكم بهذا المعنى ليس من المتنازع فيه ، فهذه المحمولات لا تخلو (٨) من أحد وجهين : إمّا أن يكون اعتبارات عقلية منتزعة من محالّها من الخطابات التكليفية ، وإمّا أن تكون (٩) أمورا واقعية ثابتة في حدود ذواتها مع قطع النظر عن تعلّق جعل إنشائي على نحو الجعل في التكليفيات بها. وعلى التقديرين يكون الخطاب المتعلّق بالوضعيات خبرا لا إنشاء كما هو ظاهر الأدلّة المذكورة ولا داعي لصرفها عن ظاهرها ، وذلك بخلاف الأخبار الواردة في مقام جعل الحكم التكليفي كقوله : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ )(١٠) مثلا ، وكقوله : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً )(١١) فإنّه لا مناص من الحمل (١٢) المذكور فيها ؛ لما عرفت
__________________
(١) وسائل الشيعة ١ : ٣١٥ ، باب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ١ ، و ١ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، باب ١ من أبواب الوضوء ، ح ١ و ٦ ، و ١ : ٣٦٨ ، باب ٢ من أبواب الوضوء ، ح ٣ ، و ١ : ٣٧٢ ، باب ٤ من أبواب الوضوء ، ح ١ ، و ٢ : ٢٠٣ ، باب ١٤ من أبواب الجنابة ، ح ٢.
(٢) في المصادر : لم يبيت.
(٣) « ج ، م » : ـ الصيام من الليل.
(٤) مستدرك الوسائل ٧ : ٣١٦ ، باب ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيّته ، ح ١ ، عن عوالى اللآلى ٣ : ١٣٢ ـ ١٣٣ / ٥ و ٦ ، وورد أيضا في مصادر العامّة وسيأتي أيضا ص ٢٠٠.
(٥) وسائل الشيعة ١ : ٤٦ ـ ٤٨ ، باب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، ح ١ ـ ٤ و ٩.
(٦) وسائل الشيعة ١٨ : ٥ ـ ٦ ، باب ١ من أبواب الخيار ، ح ١ ـ ٣.
(٧) مستدرك الوسائل ٤ : ١٥٨ ، باب ١ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٥ و ٨.
(٨) في النسخ : لا يخلو.
(٩) في النسخ : يكون.
(١٠) البقرة : ٢٢٨.
(١١) النساء : ١٠٣.
(١٢) « ج » : الجعل ، وكتب تحتها : « الحمل نسخة ».