من عدم معقولية التكليف اللازم إلاّ بالطلب ، فلا بدّ من أن يكون هذه الخطابات في معرض إنشاء الطلب ، أو إخبارا عن إنشاء سابق كما لا يخفى.
فمن الأوّل : السببية والشرطية والجزئية والحجّية والمانعية والصحّة والفساد والرخصة والعزيمة والعلّة والعلامة.
أمّا السببية فالوقتية منها عبارة عن إيجاب شيء وطلبه في وقت ، والمعنوية منها عبارة عن طلب شيء معلّقا على شيء آخر كالكفّارة عند الظهار والتحريم عند الإسكار ، ولا يرتاب في أنّ بعد إنشاء الطلب المعلّق على شيء فليس من شأن الشارع إنشاء سببية ذلك الشيء.
وأمّا الشرطية والجزئية فالأمر فيهما ظاهر ممّا مرّ ؛ إذ الجزئية كالكلّية ، والشرطية كالمشروطية ، لأنّهما متضايفان وتجويز الجعل في أحدهما يوجب تجويزه في الآخر ، وفساد ذلك في الآخر ظاهر.
وأمّا الحجّية فلا نعني بها إلاّ كون الشيء بحيث يجب العمل به ، ومعناه هو وجوب الأخذ به والاتّكال عليه.
وأمّا الصحّة والفساد ففي العبادات عبارتان عن مطابقة المأمور به للأمر ، وعدمها ، ولا ريب في كونهما أمرين عقليين منتزعين عن وقوع الفعل على ما هي عليه من الأمور المعتبرة فيه ، وعدمه ، ولذلك أنكرهما العضدي تبعا للحاجبي (١).
وفي المعاملات فمرجعهما إلى كون المعاملة واقعة على وجهها (٢) ، فيترتّب عليها أثرها (٣) المقصود منها وعدمه ، والعجب ممّن أطلق القول بجعلهما في المعاملات بعد اعتقاد الجعل في السببية ، ويكفيك في الحكم بعدم جعل السببية في المعاملات ملاحظة الأسباب العقلية كالشمس للإشراق والنار للإحراق ، فهل لأحد حسبان أنّ سببية
__________________
(١) شرح مختصر منتهى الأصول : ٩٨ ، الشرح للعضدي والمتن لابن الحاجب.
(٢) « م » : وجههما.
(٣) « م » : آثارها.