الشرعية والعرفية اشتراكا لفظيا ، فإذا قال الشارع : « إنّ العقد ـ مثلا ـ مملّك » فذلك لا بدّ أن يكون إخبارا بحصول الملك لا إنشاء لحصوله (١). وعلى قياسه الزوجية والرقّية والحرّية والضمان ونحوها ، ومنه أيضا الطهارة والنجاسة بناء على تفسيرهما بالقذارة والنظافة ، فإنّ الظاهر الشرعي فيه نظافة لا يصل إليه عقولنا كالقذارة الشرعية ، فهي إذن أمور واقعية قد (٢) كشف الشارع عن وجودها في الواقع ، ولا دخل للجعل فيها إلاّ باعتبار أنّه تعالى خالق كلّ شيء وهو جاعل الظلمات والنور ، فاستناد هذه الأشياء إليه تعالى كاستناد سلسلة الممكنات إليه تعالى بأجمعها على وجه لا يعزب عنه ذرّة لا في السماء ولا في الأرض.
وأمّا على الثاني : فلأنّها أيضا اعتبارات واقعية قد كشف الحكيم المطّلع على الواقع عنها ، فإنّ الحدث هي حالة واقعية حادثة بعد حصول أسبابها من شأنها عدم جواز الدخول معها في العبادة المشروطة بعدمه ، وكذا الجنابة فإنّها أيضا أمر واقعي ، غاية الأمر أنّ العرف لقصور نظرهم عن إدراك ما هو ثابت في الواقع لا يلتفتون إليها ، ولذلك بيّنها (٣) الشارع الحكيم بمفهومها ومصداقها وما يترتّب عليها من أحكامها ، وذلك لا يقضي (٤) بجعل منه فيها ، فإنّ الجنابة صفة للمكلّف فكيف يعقل أن يكون بجعل الشارع وإنشائه تكليفا وإن كان من منشآت الشارع تكوينا؟
ثمّ إنّ ما ذكرنا في الطهارة والنجاسة من كونهما حقيقتين من الحقائق العرفية (٥) هو المطابق لبعض ظواهر الأدلّة كما استوفيناها في محالّها ، ويكفي في ذلك شاهدا ملاحظة قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ [ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ] فَاجْتَنِبُوهُ )(٦) حيث إنّ الأمر بالاجتناب بعد إحراز كونه رجسا ، فهو متفرّع عليه ، وهو
__________________
(١) « ج ، م » : لحصول الملك.
(٢) « ز ، ك » : ـ قد.
(٣) « م » : نبّهنا.
(٤) « ج » : لا يقتضي.
(٥) « ج ، م » : + هذا.
(٦) المائدة : ٩٠.