الدين هو أمر وحداني وإن كان مركّبا عن أشياء مختلفة ، ومتى شكّ في جزء منه فالشكّ إنّما هو في أصل الدين وليس من الأمور التي يمكن أن يؤخذ منه أمر مشترك (١) كالصلاة بناء على الصحيح.
فعلى هذا نقول : إنّ من جملة الأمور المقرّرة في شريعة موسى أو عيسى على وجه يختلف تلك الشريعة بالاختلاف فيها الإقرار بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، فالخصم إن أراد إثبات المستصحب في الحالة السابقة بتسليمنا وإقرارنا فنحن مقرّون بشريعة هي عبارة عن أحكام منها : بشارتهم على نبيّنا ، فلا شكّ في الزمن المتأخّر ، فلا استصحاب. وإن أراد استصحاب شريعة ليس منها البشارة المزبورة فلا علم لنا بتلك الشريعة أوّلا ، فلا استصحاب ؛ لانتفاء أحد أركانه وهو اليقين السابق ، والعلم بأنّ شريعة عيسى أو موسى ـ مثلا ـ (٢) إنّما هي مغيّاة إلى زمن محمّد صلىاللهعليهوآله إنّما هو من ضروريات مذهبهم حتّى أنّه لم يسعهم إنكار ذلك ، كما يظهر من التزام الجاثليق بعد ما أجابه أبو الحسن الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه آلاف التحيّة والثناء (٣) بما عرفت ، ولعلّه (٤) منزل على هذا الجواب وإنّما استعار عليهالسلام عن دين موسى و (٥) عيسى بهما نظرا إلى ما نبّهنا عليه من أنّ المراد باستصحاب النبوّة وإبقائها (٦) هو استصحاب الشريعة كما لا يخفى.
ويظهر ما ذكرنا من أنّ المعلوم في تلك الشرائع هو ما قرّرنا من البشارة من الكتب السماوية والآيات القرآنية كقوله تعالى : ( إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )(٧). فإنّ المستفاد منها انحصار (٨) رسالته في التصديق بكتب الله والبشارة برسول
__________________
(١) « ج ، م » : أمرا مشتركا.
(٢) « ج ، م » : عيسى مثلا أو موسى.
(٣) « ز ، ك » : عليهالسلام.
(٤) « ز » : لعلّ.
(٥) « ج ، م » : أو.
(٦) « ج » : بقائها.
(٧) الصفّ : ٦.
(٨) « ز ، ك » : هو انحصار.