الأمر فهي معلومة في الحال لا يطرأ إليها ريب ، وإن أراد الشريعة المعلومة إجمالا ففيه أنّه ليس من الدين أصلا بعد ما عرفت.
فإن قلت : لو سلّمنا أنّ البشارة على محمّد صلىاللهعليهوآله كانت من دين عيسى على الوجه المفروض وتنزّلنا في قبول التحديد ، فلا نسلّم وجود المبشّر عليه وحصول الحدّ ، فلا ضير في الاستصحاب.
قلت : إنّا ندّعي تطابق الأمارات والبشارات الحاصلة في سائر الأمم للنبيّ الأمّي العربي التهامي الذي يقوّي دينه بسيف وصيّه ، فمن ضروريات تمام الملل والشرائع هو كون هذا الجزئي المخصوص المدلول عليه بالأمارات الواضحة المعلومة عندهم نبيّنا كما هو ظاهر لمن تدبّر وتدرّب في الكتب الإلهية والسفر السماوية والصحف الربّانية.
هذا تمام الكلام في استصحاب النبوّة يعنى الشريعة السابقة ، وأمّا استصحاب الأحكام الفرعية الثابتة في واحد من الملل السابقة والأديان الماضية ، ففيه مقامان : فتارة : نحن نتكلّم في جريان الاستصحاب في حقّنا كما لو علمنا بثبوت حكم في زمان من الأزمنة السابقة (١) بطريق معتبر عندنا ، كما ثبت محبوبية ترك الازدواج في بعض الشرائع على ما يدلّ عليها قوله تعالى ـ في مدح يحيى أنّه كان ـ : ( سَيِّداً وَحَصُوراً )(٢) وتارة : نتكلّم فيه فيما لو خاصمنا واحد من أهل الملل.
أمّا الأوّل : فسيأتي تفصيله في هداية على حدة (٣) ـ (٤).
وأمّا الثاني : فقد يقال بجريان الاستصحاب فيها وكونه مثمرا في المقام ؛ إذ ليس المقصود فيها إلاّ العمل وهو حاصل نظير الاستصحاب في الأحكام الثابتة في شريعة نبيّنا صلىاللهعليهوآله عند الشكّ في النسخ ، لكن ينبغي أن يعلم أنّ أصالة عدم النسخ تارة : راجعة
__________________
(١) « م » : السالفة.
(٢) آل عمران : ٣٩.
(٣) « ج ، م » : على حدّها.
(٤) وهي هداية استصحاب أحكام الشرائع السابقة ص ٣٥٧.