اتّحاد مورد اليقين والشكّ على وجه لم تكن القضيّة المتيقّنة مخالفة للمشكوكة إلاّ بالإيجاب والسلب فقط واليقين والشكّ ، وليس هذا إلاّ في العدميات ؛ لأنّ العدم الثابت المعلوم أوّلا بعينه مشكوك في اللاحق ، إذ لا يتفاوت العدم الأزلي بتفاوت الأمور التي يحتمل تفاوت الوجود بها من حال أو وصف وزمان ومكان ونحوها كما هو ظاهر لا سترة عليه ، وفي الوجودي فيما إذا كان الشكّ في الرافع ؛ إذ المقصود بالاستصحاب هو البقاء ، والمحمول في القضيّة المعلومة السابقة هو الوجود ، ولا مدخل للرافع فيه ، فلا يختلف بالتقييد (١) له (٢) بعدمه كما يختلف في المانع من الحدوث كما مرّ تفصيل ذلك فيما مرّ (٣) في الهداية الأخبارية (٤).
وعلى ما قرّرنا من ثبوت طريقة العقلاء على الأخذ بالاستصحاب في الموارد المفروضة يظهر الوجه فيما ذهب إليه جملة من محقّقي السلف من اعتبار الاستصحاب كالمفيد (٥) وأضرابه (٦) قبل ظهور دلالة الأخبار عليه ، إلاّ أنّه يشكل أيضا بأنّ الاعتماد (٧) بالاستصحاب (٨) عند العقلاء إن كان بواسطة ما قد يتوهّم من أنّ العقلاء أيضا قد يتعبّدون بأمارة وإن لم تفد الظنّ كما في التعبّديات الشرعية كالبيّنة ونحوها مثلا ، ففساده ظاهر ؛ إذ لا يعقل التعبّد عند العقل بعد ما نعلم من أنّ المناط هو الواقع عنده وكيف يمكن التعبّد به (٩) مع أنّه لا يزيد على شكّ؟ والأخذ بأحد طرفيه ترجيح بلا مرجّح وهو فطري الاستحالة وتجويزه سفسطة ، وإن كان بواسطة إفادته الظنّ في موارده إمّا بملاحظة الغلبة أو بمجرّد العلم بالحالة السابقة أو غير ذلك ، فهو حقّ في
__________________
(١) « ز ، ك » : بالتقيّد.
(٢) « ج » : فيه وفي « ك » : به.
(٣) « ز ، ك » : الحدوث على ما مرّ تفصيله.
(٤) مرّ في ص ١٩٠ ـ ١٩٤.
(٥) التذكرة : ٤٥.
(٦) كالمحقّق كما نصّ به في ص ٢٧١.
(٧) « ز ، ك » : « بالاعتماد » بدل : « بأنّ الاعتماد ».
(٨) « ج » : إلى الاستصحاب.
(٩) « ج ، م » : ـ به.