موارد الاستصحاب المعمول عندهم في أحكام معاشهم ، وأمّا في الأحكام الشرعية فحصول الظنّ في موارده بأجمعها غير معلوم ، ودعواه مجازفة بيّنة ومكابرة واضحة ؛ إذ كثيرا ما نجد من أنفسنا في تلك الأحكام عدم رجحان ثبوت المستصحب مع الأخذ به فيها أيضا ، ويظهر ذلك من ملاحظة قضيّة المذي كما (١) لا يخفى ، ولا سيّما إذا عارضه دليل غير معتبر كالقياس.
وبالجملة : دعوى حصول الظنّ في جميع موارد الاستصحاب في الأحكام لا شاهد عليها ، بل يكذّبها (٢) الوجدان والبرهان معا ، وبدونه لا دليل عليه ؛ لعدم اعتبار الشكّ عند العقلاء ، فكيف يمكن القول بالاستصحاب للسلف مع عدم دلالة دليل عليه؟ وغاية ما يتعسّف في الذبّ عنه أن يقال : إنّ بناء العقلاء على العمل بالظنّ الاستصحابي إلاّ أنّه لمّا قرّر الشارع العمل بذلك الظنّ في الشرعيات لا جرم صار ذلك ظنّا نوعيا.
وتوضيح ذلك : أنّه لو فرض وجود أمارة ظنّية غير معتبرة عند العقلاء كالنوم ـ مثلا ـ فعارض الاستصحاب على وجه انتقل الظنّ الشخصي إليه ، فمع ذلك تراهم يلتزمون بإعمال الاستصحاب وطرح النوم كما يظهر ذلك عند ملاحظة قول الطبيب عند مخالفته لظنّ المريض ، فالأخذ بالاستصحاب في هذا المقام وإن لم يكن مفيدا للظنّ إلاّ أنّه أولى من الأخذ بالأمارة الغير المعتبرة عندهم ، فكان ذلك الظنّ لا يعدّ ظنّا مثل ما يراه الرائي من بعيد فيظنّ السراب ماء كما لا يخفى ، ولمّا قرّر الشارع العمل بالاستصحاب صار العامل به في الشريعة كما إذا كان عند العامل (٣) أمارة ظنّية غير معتبرة ، فيأخذ بالاستصحاب وإن لم يكن مفيدا للظنّ من حيث أولويته من الأمارة الغير المعتبرة شرعا ، فكأنّ الظنّ القياسي ليس من الظنّ بعد عدم الاعتداد به عند (٤)
__________________
(١) « ز ، ك » : مما.
(٢) « م » : يكذّبه.
(٣) « ز ، ك » : العادل.
(٤) « ز ، ك » : من.