لأنّا نقول : قد عرفت صحّة ذلك فيما كان المستصحب هو نفس تلك الأحكام العاديّة أو العقلية ، وأمّا مجعولية تلك الأحكام بعد استصحاب موضوع تلك الأحكام لا يعقل إلاّ أن يكون تنزيلا في تنزيل بمعنى أنّ الشارع لمّا حكم بوجود النار في الخارج عند الشكّ فقد حكم بوجود الحرارة أيضا ، ولمّا كانت (١) النار غير موجودة حقيقة فتكلّفنا في تصحيحه بجعل أحكامها ، وكذلك نقول بمثل ذلك في الحرارة ، ومن المعلوم الواضح عدم مساعدة تلك الأخبار على ذلك ، فإنّها لا تقبل (٢) إلاّ تنزيلا واحدا.
فإن قلت : إنّ المراد بالأحكام هي التي يصير المستصحب منشأ لوجودها وتنتهي (٣) إليه ولا شكّ أنّ الأثر المترتّب على الأثر المترتّب (٤) على المستصحب مترتّب عليه ، فلا بدّ من ترتيبه (٥) عليه كما في الآثار المترتّبة على الآثار الشرعية.
قلت : قد عرفت عدم ترتّبها على المستصحب إلاّ بعد وجود موضوعها والمفروض عدمه ، وأمّا الآثار الشرعية المترتّبة على الآثار الشرعية فالوجه فيها ما عرفت في أوّل الهداية من أنّ الحكم الشرعي ولو كان ظاهريا بعد الجعل مترتّب عليه تمام ما يترتّب عليه واقعا إلاّ فيما لم نجده من خواصّ الأحكام الواقعية من حيث هي واقعية ، ولو سلّمنا كون تلك الآثار آثارا للمستصحب فلا يمكن إثباتها له (٦) أيضا بالاستصحاب ؛ لأنّ الأصل عدم تلك الأحكام التي يترتب تلك الآثار عليها ، فاستصحاب الموضوع يقتضي بقاءها ، واستصحاب موضوعاتها يقتضي عدمها ، ولو لم نقل بأنّ انعدامها بواسطة انعدام موضوعاتها المعلوم بالأصل الاستصحابي أولى من وجودها بوجود الموضوع ، فلا أقلّ من التساوي (٧) ، فيتساقطان.
__________________
(١) المثبت من « ك » ، وفي سائر النسخ : كان.
(٢) « ج ، م » : لا يقبل.
(٣) « م » : تنهى.
(٤) « ز ، ك » : ـ على الأثر المترتّب.
(٥) « ز ، ك » : ترتّبه.
(٦) « م » : إثباته لها.
(٧) « ز ، ك » : التنافي.