وبالجملة : فالأدلّة الاجتهادية لها مداليل كاشفة عن الواقع ، والظنّ هو الواقع الظنّي ، والتعبّد بهما إنّما هو من حيث احتمال الخلاف وذلك لا ينافي الكشف ، وترتيب (١) الأحكام العقلية عليها إنّما هو من حيث الكشف لا من حيث التعبّد ولهذا لو قلنا بالاستصحاب من حيث الظنّ وبناء العقلاء ، فلا ريب في ترتيب الآثار الواقعية من العقلية والعاديّة وما يترتّب عليهما من الأحكام ، شرعية كانت أو عقلية أو عاديّة وذلك ظاهر.
فإن قلت : لا ريب في صحّة الاستدلال بالأصول العملية في مباحث الألفاظ كأصالة عدم النقل وأصالة عدم القرينة والاشتراك ونحوها مع أنّ الآثار المطلوبة منها ليست ممّا يترتّب على نفس العدم المستصحب في تلك الموارد ، بل إنّما هي مترتّبة عليها بتوسّط أمر عاديّ أو عقلي ، مثلا أصالة عدم القرينة قاضية بعدم إرادة المجاز من اللفظ في الاستعمال المشكوك بواسطة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة والمطلوب في استصحاب عدم القرينة إثبات استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي على ما هو مقتضى أصالة الحقيقة ، ومن الظاهر الجلي ، عدم ترتّب المطلوب هذا على عدم القرينة ، بل لا بدّ من ضمّ مقدّمة عقلية أو عاديّة من أنّ العادة تقضي (٢) بأنّ بعد عدم إرادة المجاز لا بدّ من إرادة الحقيقة لئلاّ يلغو الاستعمال ، وكذا الكلام في أصالة عدم الاشتراك وعدم النقل كما لا يخفى.
قلت : إن أريد أنّ الأصول اللفظية معمولة في مواردها بواسطة الاستصحاب استنادا فيه إلى الأخبار ، فلا نسلّم كونها من باب الاستصحاب أوّلا ؛ إذ لعلّه من باب الأصول العدمية التي يكفي في ترتيب آثارها مجرّد الشكّ من غير ملاحظة الحالة السابقة ولا نسلّم اعتبارها حينئذ.
__________________
(١) « ز ، ك » : ترتّب.
(٢) « ج » : تقتضي.