ولا يرد عليه ما زعمه بعض الأجلّة (١) تبعا لبعضهم من أنّ التصرّف في الأحكام يغني عن ذلك والكلام فيما كان العلم باقيا على معناه المعهود من غير تصرّف فيه ؛ إذ تعلّق العلم بشيء خاصّ لا يوجب التصرّف فيه كما هو ظاهر.
فالعلم بوجوب العمل بالأحكام الواقعية التي هي مستنبطة من الأدلّة التفصيلية هو الفقه ، وليس العلم بوجوب العمل بتلك الأحكام وإن كانت واقعية إلاّ العلم بالحكم الظاهري ، فما يدلّ على هذا الحكم الفعلي وهو وجوب الأخذ بالظنّ ـ مثلا ـ من حيث إنّه مشكوك الاعتبار هو دليل الفقاهة كالأدلّة (٢) الدالّة على اعتبار الأدلّة الظنّية من الإجماع ، والكتاب والسنّة القطعيين ، وأدلّة الأصول من البراءة والاحتياط والاستصحاب والتخيير ، فإنّها هي التي يحصل (٣) منها العلم بوجوب العمل ، ولعلّه إنّما أخذه من قول العلاّمة من أنّ الظنّ في طريق الحكم لا فيه نفسه ، وظنّية الطريق لا ينافي قطعية الحكم ، فالحكم المستفاد من الخبر حكم واقعي ، و (٤) وجوب الأخذ بمفاد الخبر حكم ظاهري ، ونفس الخبر دليل الاجتهاد ، والإجماع على اعتبار الخبر دليل الفقاهة.
ثمّ إنّه إن أقيم (٥) دليل على اعتبار هذا الظنّ الحاصل من الخبر مثلا ، وإلاّ فلا بدّ من الرجوع إلى عدم الحجّية وقاعدة العدم فهو حكم ظاهري في المسألة الأصولية ، أو (٦) إلى البراءة أو إحدى أخواتها من الأصول في المسألة الفرعية وهو حكم ظاهري في المسألة الفرعية ، ويمكن أن يكون دليل واحد دليل الاجتهاد بالنسبة إلى مرتبة كما في الأدلّة (٧) الدالّة على حجّية الخبر في المسألة الأصولية ، ودليل الفقاهة بالنسبة إلى مرتبة أخرى كما فيها بالنسبة إلى المسألة الفرعية.
__________________
(١) انظر الفصول : ٧ و ٣٩١.
(٢) « م » : كأدلّة.
(٣) المثبت من « ك » ، وفي سائر النسخ : تحصل.
(٤) « ج ، م » : ـ و.
(٥) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : إنّه أقيم.
(٦) « ج ، م » : و.
(٧) « ج » : أدلّة.