القسم الثاني يدلّ على أنّ المناط هو حصول العلم أو الظنّ المعتبر بالعدم لا ملاحظة الحالة السابقة ؛ إذ لو كان كذلك لما كان للتفصيل وجه ، لوجود الحالة السابقة في جميع الأقسام الثلاثة.
ومنها : ما أفاده الشّيخ في العدّة (١) من أنّ المحصّلين على أنّ النافي كالمثبت في الاحتياج إلى الدليل ، كما أشرنا إليه نحن (٢) أيضا في بعض المباحث الماضية (٣) ، ووجه الدلالة أنّ الحالة السابقة لو كانت معتبرة ودليلا لم يكن لما أفاده وجه ؛ ضرورة أنّ مدّعي النفي لا ينفكّ دعواه عن العدم الأزلي ، والمفروض صلوحه لأن يكون دليلا ، سواء كان براءة أو غيرها من الأصول العدمية ، واحتمال أنّ المراد هو احتياج النافي فيما إذا كان العدم والنفي مسبوقا بالوجود ممّا لا يصغى إليه ؛ لعدم الخلاف في ذلك لأحد ، فلا ينبغي حمل كلام الشيخ عليه.
ومنها : احتجاج المثبتين من أنّ كلّ ما ثبت دام ، فإنّ الثبوت وإن كان مرادفا للوجود على ما هو التحقيق ، إلاّ أنّه قد يطلق على مطلق التقرّر (٤) الشامل تسامحا للأعدام الأزلية ، ومن هنا يظهر عدم اتّجاه ما قد يورد على هذه الحجّة من اختصاصها بالوجوديات وإن كان الاعتراض على هذا الوجه حجّة على ما هو المطلوب كما لا يخفى.
ومنها : ما احتجّ إليه المرتضى رحمهالله (٥) في احتجاج النفي من استلزام القول به التسوية بين الحالتين (٦) من غير دليل ، فإنّه بعمومه شامل للاستصحاب الوجودي والعدمي (٧).
ومنها : ما تمسّك به جماعة في الاحتجاج على النفي من أنّه لو كان حجّة لزم الحكم بتقديم بيّنة النافي على بيّنة المثبت ؛ لموافقته للبراءة الأصلية.
__________________
(١) العدّة ٢ : ٧٥٣.
(٢) « ز » : أشرنا نحن إليه ، وفي « ك » : ـ إليه.
(٣) أشار في ج ٣ ، ص ٣٣١.
(٤) « ج » : التقرير.
(٥) الذريعة الى أصول الشريعة ٢ : ٨٣٠.
(٦) « ز ، ك ، ل » : الحالين.
(٧) « ج ، م » : لاستصحاب الوجود والعدم.