الأنظار الدقيقة ؛ لأنّ الوجه في ظهور الاستصحاب ليس على ما قيل إلاّ غلبة بقاء الموجودات الممكنات ، ولا ريب في أنّ هذه الغلبة غلبة جنسية لا تكاد تقابل (١) الغلبة الصنفية ، فإنّ الأغلب فيما يوجد في أيدي الناس في معاملاتهم وتقلّباتهم له المحتملة بين وجوه السلطنة وضروب الاستيلاء من الملكية والإجارة والوكالة والوديعة والعارية والعداوة المردّدة بينها أن يكون على وجه الملكية ، فالظنّ حاصل بانتقاض الحالة السابقة التي هي (٢) المناط في الاستصحاب.
ولو لا تقديم اليد على الاستصحاب لم يقم للمسلمين سوق ؛ إذ الأغلب سبق الأعيان الموجودة في الأيدي بالحالة السابقة المنافية (٣) لمقتضى اليد ، ولا فرق في ذلك بين قيام البيّنة على الحالة السابقة أو علمنا بخلاف مقتضى اليد ؛ لعدم التنافي (٤) بين مفاديهما ، فإنّ قضيّة البيّنة هي ملكية العين قبل اليد لغير صاحب اليد ، وقضيّة اليد هي الملكية حالة الاستيلاء ، ولا منافاة بينهما ؛ لإمكان الجمع بينهما ، إذ لا يعقل أن تكون (٥) الأمارة المنزّلة منزلة العلم أعلى شأنا من نفس العلم.
نعم ، لو أقرّ ذو اليد على أنّ الموجود في يده كان ملكا لغيره قبل حدوث يده لم يحكم بمقتضى اليد لا لأجل تقديم (٦) الاستصحاب على اليد ـ كما زعمه بعض مشايخنا المعاصرين على ما يظهر من كلامه في بعض فروع المسألة من قوله : من أنّ المتيقّن من أدلّة اليد هو فيما إذا لم يعارضها الاستصحاب فإنّ ذلك بمكان من البعد ـ بل من حيث إنّ الإقرار منضمّا إلى اليد دليل على دعوى انتقال الملك من المقرّ له إليه ، فعليه إقامة ما يثبت به الدعوى من بيّنة ونحوها ، وبذلك يظهر الفرق بين الإقرار والبيّنة ، فإنّ الإقرار من حيث إنّه فعله يدلّ بالالتزام على انتقاله منه إليه ، دون البيّنة فإنّه لا دلالة
__________________
(١) « ز ، ك » : لا يكاد يقاوم.
(٢) « ج ، م » : هو.
(٣) « ز ، ك » : النافية.
(٤) « م ، ك » : المنافي.
(٥) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : يكون.
(٦) « ز ، ك » : تقدّم.