وأمّا ثانيا : فنختار أنّ الدليل الدالّ على الحجّية شامل للمتعارضين معا ، ولا محذور.
قوله : « وهو محال (١) عقلا » ممنوع (٢) ولكنّه غير مجد ؛ إذ التكليف بالمحال تارة : يتصوّر من حيث إنّ المكلّف به في نفسه محال كالأمر بالمحالات العقلية أو العاديّة كالطيران إلى السماء (٣) ونحو ذلك (٤) ، وتارة : يلاحظ من حيث إنّ اجتماع الأمرين محال ، فيتفرّع محالية المكلّف به على التكليف ، بخلاف الأوّل فإنّ الأمر يتوجّه إلى مطلوب ممتنع الوجود فيه ، وفي الثاني يستحيل اجتماع المطلوبين من حيث إنّهما مطلوبين ، فالامتناع إنّما نشأ من الأمرين ، ولا شكّ أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل ؛ لأنّ استحالة مطلوبية العمل بأحد الخبرين ليس بواسطة عدم إمكان الامتثال به في نفسه كما في التكليف بالطيران إلى السماء ونحوه ، وإنّما جاءت بواسطة وجود مقتضي (٥) العمل ووجوب الأخذ به في الثاني أيضا ؛ ضرورة إمكان الامتثال لكلّ واحد من الخبرين لو لا الآخر ، ولا ريب أيضا أنّ كلّ واحد من الأدلّة المطلقة أو العامّة الدالّة بإطلاقها أو عمومها (٦) على وجوب شيء من الأشياء أو (٧) عمل من الأعمال كائنا ما كان مقيّد بصورة الإمكان بالامتثال بذلك الشيء والعمل (٨) عقلا كما قرّر في محلّه ، وقضيّة ذلك هو عدم
__________________
(١) « د » : ولا محالة.
(٢) « س » : ـ ممنوع.
(٣) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : كطيران السماء ، وكذا في المورد الآتي.
(٤) في هامش « م » : لا يخفى أنّ ما ذكرنا ـ من أنّ الامتناع إنّما نشأ من نفس التكليف ، فالممتنع إنّما تحقّق موضوعه بعد التكليف لا قبله ، وذلك لا يوجب إلاّ سقوط الممتنع عن كونه مكلّفا به دون الممكن ـ إنّما يقضي بامتناع التساقط واستحالته ، ووجهه هو أنّ من المحال عقلا أن يكون وجود الشيء مقتضيا لعدمه ، والقول بالتساقط لازمه ذلك ؛ لأنّ المفروض أنّ استحالة الجميع إنّما هو بعد الوجوب ، فلو فرض أنّ ذلك يوجب عدم وجوبه يلزم من وجوبه عدم وجوبه وهو محال عقلا ، فتدبّر. « منه رحمهالله ».
(٥) « ج » : وجود ما يقتضي.
(٦) « د » : بإطلاقهما أو عمومهما؟
(٧) المثبت من « م » وفي سائر النسخ : و.
(٨) « د » : العمل به.