ومن هنا يظهر وجه ما أفاده شيخنا البهائي (١) في بعض مباحث الأمر من أنّ الواجب المضيّق الأهمّ يقدّم على غير الأهمّ منه على اختلاف مراتب الأهمّية ، فقد يكون أحدهما من حقوق الناس فيقدّم على حقّ الله للاتّكال على كرمه والتعويل على (٢) فسحة (٣) فضله ، وضعف ما نوقش فيه (٤) من أنّ الواجب حينئذ ملاحظة أدلّة الحقوق فإنّهما إمّا قطعيان ، أو ظنّيان ، أو مختلفان ، ويرجّح أحدهما على الآخر بحسبه.
وتوضيح الضعف : أنّ ملاحظة حال الدليل بعد أنّ المفروض تساويهما في وجوب
__________________
واحد من الدليلين حتّى عند التعارض ، وتوهّم عدم الانصراف إلى الصورة المفروضة واه جدّا ، والعمل بكلّ واحد ممكن ، نعم الجمع بينهما اللازم من الأمرين وهو العمل بأحدهما عند العمل بالآخر ممتنع ، والجمع بينهما ليس من الأمور التي يتعلّق به التكليف بالأصالة ، بل إنّما وجب بملاحظة الأمر بكلّ واحد منهما ، واستحالته يوجب رفع التكليف الذي فرضنا إجزاءه من الأمرين بالفردين عنه ولا يجدي ذلك في رفع التكليف عنهما ، فكلّ واحد منهما مأمور به ، ولهذا صار الخيرة بيد المكلّف في الإتيان بأيّهما شاء ، مع أنّ كون الاختيار بيد المكلّف غير معقول في الأحكام الشرعية إلاّ فيما لا يختلف فيه الفعل عند اختلاف اختياراته كما في الواجب المخيّر ، غاية ما في الباب أنّ الطلب التخييري لكلّ واحد منهما منتف ؛ لمكان استحالة الجمع اللازم على تقدير الطلب الفعلي بهما ، فالمختار من شقوق الترديدات هو أنّ كلّ واحد منهما واجب شأنا ، والعقل حاكم بالوجوب التخييري بعد تقيّد كلّ واجب بصورة الإمكان ، وليس لفظ الأمر مستعملا إلاّ في معنى واحد ليلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، ولا ضير في مثل هذا الطلب كما في تكليف الغافل والجاهل ممّا لا يختلف الطلب باختلافه ، غاية الأمر كونه معذورا عن الجهل والغفلة [ وذلك ] لا يقضي بانتفاء أصل الطلب رأسا ، ولذلك لا حاجة إلى طلب جديد بعد الإفاقة من الجهل والغفلة ، فتدبّر « منه ».
(١) « س » : + رحمهالله ، نقل عنه أيضا الشيخ حسين القمي في حاشيته على القوانين المسمّى بالتوضيح انظر هامش القوانين ١ : ١١٣ ـ ١١٤ ؛ وانظر أيضا هداية المسترشدين : ٢٢٤ ؛ مطارح الأنظار ( بحث الضدّ ) ١ : ٥٤٢.
(٢) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : إلى.
(٣) « د » : فسيحة.
(٤) « ج » : ـ ما نوقش فيه. وفي « د » : وضعّف بالمناقشة فيه.