فإن قلت : يحتمل أن يكون المراد بالعامّ الوارد في الصدر الأوّل هو العموم الواقعي ، ويكون ورود الخاصّ في العصر المتأخّر ناسخا له أو كاشفا عن كونه منسوخا بناء على الخلاف في جواز النسخ بعد انقطاع زمن الوحي وعدمه.
قلنا : ذلك وإن كان في محلّه إلاّ أنّه بعيد جدّا فإنّ موارد ذلك لا يعدّ من التخصيص الأزماني في شيء والظاهر أنّها (١) من موارد التخصيص الأفرادي ، وإليه يؤذن كلماتهم في مقامات مختلفة.
ويمكن الجواب عنه بأنّ العامّ قبل ورود التخصيص يحتمل أن يكون الحكم به من الأحكام الظاهرية ، والحكم الواقعي هو الخاصّ ، وإنّما أخّره الشارع الصادع لمصلحة اقتضت ذلك نظرا إلى لزوم التوسعة على المسلمين في أوّل الأمر تأليفا لقلوبهم ، فإنّ الشريعة استقرّت تدريجا ولم يتبيّن (٢) جميع الأحكام في أوّل الأمر كما يظهر من ملاحظة الأحكام الشرعية فإنّ الأغلب إنّما استفدناه (٣) من الأخبار الصادقية والباقرية عليهماالسلام والصلاة وليس ذلك من الإغراء بالجهل نظير من لم يطّلع على الخاصّ بعد وروده ؛ إذ هو حكم ظاهري لغير المطّلع على الخاصّ ، وهذه الشبهة بجوابها ممّا أفادها الوحيد البهبهاني في رسالته (٤) المعمولة في الجمع بين الدليلين (٥) على ما حكاها (٦) الأستاد دام عزّه.
قلت : وهو بعيد أيضا غاية البعد ؛ إذ الالتزام بأنّ تلك الأحكام الكثيرة أحكام ظاهرية أيضا ممّا لا يقبلها مستقيم الذهن (٧) بل لا يكاد يعقل ؛ للقطع بأنّ عدم بيان بعض الأحكام المتعلّقة بالشكّ أو (٨) المناسك ونحوها إنّما هو بواسطة عدم السؤال عنها ، نعم يمكن القول بأنّ بعض الموارد يحتمل أن يكون من هذا القبيل كما يحتمل أن يكون
__________________
(١) « د » : انّهما.
(٢) « س » : لم يبيّن.
(٣) « س ، م » : استفدناها. « ج » : استفيدها.
(٤) « د » : الرسالة.
(٥) انظر الرسائل الأصولية : ٤٦٥ ـ ٤٧١.
(٦) « د » : حكاه.
(٧) « د » : المستقيم في الذهن.
(٨) « د » : و.