وبالجملة : إنّ التصرّف في الدلالة في المتباينين ممّا لا يقضي به دليل ، وأمّا طرح أحدهما تخييرا والأخذ بالآخر فهو ممّا يقضي به العرف في أمثال المقام بعد العلم ببقاء المصلحة عند دوران الأمر بين المتعارضين.
فإن قلت : إذا فرضنا رواية ظاهرة في معنى غير واقع أو غير ممكن فاللازم صرفها عن ظاهرها وحملها على معنى واقع ممكن قريب من معناها الحقيقي ، كما ينادي بذلك قولهم : إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات ، ولا فرق في ذلك بين رواية واحدة أو روايتين ، فلا بدّ من حمل الخبرين المتعارضين على معنى لا منافاة بينهما جمعا بينهما ودفعا للتعارض.
قلت : القاضي بالفرق بين الرواية الواحدة وما نحن بصدده هو العرف ، فإنّ البناء في الواحدة على الحمل دون المقام.
أقول : ولعلّ الوجه في ذلك أنّ الامتناع في الرواية الواحدة بعد الحكم بالصدور قاض بالتأويل ، فيصير قرينة عقلية على وجوب الحمل ، بخلاف المقام لإمكان رفع الامتناع بالتخيير فإنّه إعمال في الجملة ، فهو بمنزلة التأويل في الرواية الواحدة ، فالطرح في المقامين بعد التأويل ، فتأمّل.
فإن قلت : إذا علمنا بصدور الخبرين من (١) الإمام عليهالسلام كأن سمعنا منه شفاها فلا بدّ من صرف الدلالة قطعا ، وبعد ما فرضنا من قيام الأخبار الظنّية مقام العلم من حيث وجوب التصديق بها والأخذ بها فيجري فيها ما يجري في الأخبار العلمية (٢) ، وقضيّة ذلك هو التصرّف في الدلالتين (٣) والحكم بسلامة السندين.
قلت : نعم ولكنّه يجب أن يعلم أنّ صرف الدلالة في القطعيين وعدم التعرّض للسند فيهما بالتخيير إنّما هو من آثار نفس القطع واقعة ، وتنزيل (٤) الظنّ منزلة القطع لا يقضي
__________________
(١) « م » : عن.
(٢) « م ، د » : العملية.
(٣) « د ، س » : الدليلين.
(٤) « د » : ينزّل. « ج » : وترتّب.