والحكم بالتخيير وبين طرح دليل الدلالة والحكم بالإجمال ، والثاني أولى ؛ لما قد عرفت من أنّه (١) بمنزلة الدليل الاجتهادي ، ونظير ذلك في الرواية الواحدة إذا لم يمكن حملها على مدلولها الحقيقي مع تعدّد وجوه المجاز وتساويها (٢) في القرب إلى الحقيقة. والفرق بين المقام والمتباينين حيث حكمنا فيهما بالتخيير دون المقام هو أنّ وجه التصرّف فيهما منحصر في التصرّف في السند ؛ لعدم إمكان التصرّف الدلالتي فيهما ، لانتفاء ما يقضي به من القرينة الصارفة ، بخلاف المقام فإنّ وجه التصرّف في الدلالة ممكن (٣) أيضا مع الأولوية فكأنّ السند فيهما مفروض الصدور والتنافي إنّما هو بين الدلالتين ، فيحكم (٤) بالإجمال فيتوقّف في الحكم ويرجع في العمل إلى أصل عملي مطابق لأحدهما ، وعلى تقدير انتفائه فإن استفدنا منهما نفي الثالث فلا بدّ من التخيير العقلي بين الاحتمالين وإلاّ فالمرجع أصل (٥) ثالث.
ويمكن الاستناد (٦) للوجه الثاني بإطلاق أدلّة التخيير عند التعارض بعد انقطاع اليد عمّا يصلح مرجّحا لأحدهما ، وربّما يمكن دعوى مساعدة العرف على ذلك أيضا ، إلاّ أنّه لا يخلو عن إشكال فإنّ موارد التميز مختفية (٧) غالبا فإنّها سهل عسر (٨) كما لا يخفى ، ومنه يظهر وجه التفصيل بعد ما عرفت وجه الأوّل أيضا ولعلّه الأقرب أيضا ، فإنّ مساعدة العرف على التخيير فيما هو بمنزلة العامّين من وجه لا يخلو من (٩) قوّة ، وأمّا فيهما فالتخيير بعيد في الغاية ، سيّما بعد ملاحظة أنّ التخيير في العامّين من وجه يوجب التفكيك في السند ، فإنّ في غير مورد التعارض لا وجه للتخيير فلا بدّ من الحكم بصدورهما في غيره وترتيب (١٠) آثار الصدور ، وفي محلّ التعارض لا بدّ من طرح
__________________
(١) « ج » : أنّ السند. « س » : كونه.
(٢) « م » : تساويهما.
(٣) « د » : يمكن.
(٤) « س » : للحكم.
(٥) « د » : أمر.
(٦) « م » : الاستثناء.
(٧) « ج ، د » : مخفية.
(٨) « د » : عسير.
(٩) « د » : عن.
(١٠) « ج » : ترتّب.