وتوضيح المقام : هو أنّه قد عرفت (١) أنّ التعارض الواقع بين الأدلّة قد لا يحتاج الجمع بينها إلى قيام شاهد خارجي على الجمع ، وقد يحتاج ، وعلى الثاني فتارة : يكفي في الجمع إخراج أحدهما عن الظهور ، وتارة : لا يكفي ، بل لو أريد الجمع فاللازم إخراجهما عن ظاهريهما ، قد عرفت وجوب الجمع على الأوّل ، والرجوع إلى الأصل في الثاني ما لم يظهر لأحد الظاهرين مرجّح به يتقوّى ظهوره بالنسبة إلى الآخر ، فإنّ المطابقة المضمونية (٢) ممّا لا يكفي في حمل ظهور أحد الظاهرين على الآخر ما لم يرجع إلى قوّة نفس الظهور ، وأغلب موارد التعارض يرجع إلى هذين القسمين ، وأمّا القسم الثالث فبعض المرجّحات المتّفق على الترجيح بها الأخبار العلاجية ـ كالترجيح بالشهرة فيما لم يكن (٣) معارضة بالأعدلية ـ مثلا ـ أو كانت وقلنا بتقديم المقبولة على المرفوعة كما عرفت (٤) ـ ممّا لا كلام في لزوم الأخذ بذلك البعض ، وأمّا ما يبقى بعد ذلك فالعلم الإجمالي ببقاء التكليف بين الأخبار المتعارضة من جهة الترجيح ممنوع وعلى المستدلّ إقامة الدليل على ذلك وأنّى له بذلك؟ فلا وجه للاعتماد على دليل الانسداد في نفس مسألة الترجيح ؛ لعدم تمامية مقدّماته ، وهل يجدي في ذلك ملاحظة الأدلّة (٥) الدالّة على حجّية أخبار الآحاد ، أو لا؟ فيه تفصيل.
وتحقيقه : أنّه اختلف آراء المتمسّكين بعروة الانسداد ، فمنهم من يرى أنّ نتيجة البرهان حجّية الظنّ بنفس الحكم الفرعي ، وهذا هو المشهور بينهم ، ومنهم من زعم أنّها حجّية الظنّ المتعلّق بطرق الأحكام كما علم في محلّه مستوفى ، ومنهم من قال بأنّ النتيجة بعد تسليم المقدّمات هو الحكم بوجوب تفريغ الذمّة وتحصيل الامتثال الظنّي ، والظنّ بالفراغ كما يحصل بإتيان نفس الواقع الظنّي كذلك يحصل بالأخذ بما هو قضيّة
__________________
(١) قد عرفت في ص ٥٤٠.
(٢) المثبت من « د » وفي سائر النسخ : المضمونة.
(٣) كذا. والصواب ظاهرا : لم تكن.
(٤) عرفت في ص ٥٨٣.
(٥) في النسخ : أدلّة.