بسم الله الرّحمن الرّحيم
القول في المشتقّ وهو اسم مفعول من الاشتقاق ، وهو افتعال من الشقّ ـ بالكسر ـ وهو نصف الشيء كما صرّح به في الصحاح (١) ، فالاشتقاق أخذ شقّ الشيء وهو نصفه ، وحينئذ فالمشتقّ هو المأخوذ من الشيء نصفا مثلا ، ومن هنا يجري اعتبار الأصل والفرع بجعل المأخوذ منه أصلا ، والمأخوذ فرعا.
وقد جرى اصطلاح القوم على تسمية اللفظ المأخوذ من لفظ آخر مشتقّا ، فكأنّ الواضع لاحظ في وضعه مادّة قابلة لأن يرد عليها صور مختلفة وإن كانت لتلك المادّة في نفسها أيضا صورة فعلية كالمصدر ؛ فإنّ القابل لورود الصور عليها هو مادّة المصدر لا صورتها ، فكلّ واحدة من تلك الصور ـ المصوّرة المأخوذة في المشتقّات غير الصورة المصدرية ـ واردة على مادّة المصدر بناء على أنّه الأصل وغيره فرع عليه كما يقضي به الذوق السليم ، فإنّ مداليل المشتقّات من مراتب مدلول المصدر وموارد ظهوره ، فيكون أولى بأن تعتبر أصلا لغيره ، وكأنّ من جعله فرعا إنّما لاحظ كون مدلوله جزءا من مداليل غيره من المشتقّات ، فيكون اللائق بالمعنى اللغوي جعله فرعا ؛ لأنّ الكلّ هو الشيء ، وجزءه شقّ منه ، فاللفظ الدالّ على ذلك الجزء مشتقّ من اللفظ الدالّ على الكلّ إلاّ أنّ الأوّل أولى كما لا يخفى.
__________________
(١) الصحاح ٣ : ١٥٠٢.