وأمّا تفصيلا فبيانه (١) يتوقّف على تحقيق معنى الغلبة وأقسامها ، فنقول : هي (٢) عبارة عن كون الجزئيات المندرجة تحت كلّي في الأكثر على حالة واحدة بحيث يظنّ إلحاق المشكوك منها ـ مع قطع النظر عن ملاحظة تلك الجزئيات ـ بها بعد ملاحظتها ، والاستقراء عبارة عن تصفّح الجزئيات لإثبات حكم المشكوك وإلحاقه بها ، ولا ريب أنّ مجرّد ملاحظة الجزئيات مع قطع النظر عن استكشاف الجامع بين الأفراد لا يعقل أن يكون مفيدا للظنّ ، وإلاّ يلزم أن يكون الجزئي كاسبا ومكتسبا ، بل لا بدّ من الظنّ بالقدر الجامع ليترتّب عليه الظنّ بالنتيجة ، ومن هنا يظهر الوجه في انحصار الحجّة في القياس ؛ لأنّ الاستقراء والتمثيل ما لم يستخرج منهما القدر الجامع (٣) يمتنع منه (٤) حصول الظنّ ، وعلى تقدير الاستخراج ينقلب قياسا ، غاية الأمر فيما إذا لم يكن الاستقراء أو التمثيل قطعيا يكون إحدى مقدّمتي القياس ظنّية ، فتكون (٥) النتيجة أيضا ظنّية ؛ لتبعيتها (٦) أخسّ مقدّماتها (٧) ، فالفرق بين الغلبة والاستقراء ـ على ما نبّهنا عليه ـ أنّها صفة الأفراد ، والاستقراء وجدانها كذلك ، وقد يكون ملاحظة بعض الأفراد مفيدة للظنّ بالقدر الجامع وهذه وإن كانت ملحقة بالاستقراء حكما إلاّ أنّ الواقع خروجها منه موضوعا ، وبمثله نقول في الغلبة أيضا.
وأمّا لو فرض عدم استخراج القدر الجامع إمّا للشكّ في وجوده أو للقطع بعدمه ، فلا ريب في امتناع حصول الظنّ ، فلا يمكن إلحاق الفرد المشكوك ، وذلك كما إذا احتملنا أو علمنا بأنّ الحكم في كلّ واحد من الأفراد مسبّب عن سبب خاصّ غير مشترك بين الفردين من النوع مثلا ، فلو علمنا بوجود دود في الدار فبغلبة بقاء
__________________
(١) « ج » : فبأنّه.
(٢) « ز ، ك » : « الغلبة ».
(٣) « ز ، ك » : منهما التقدير.
(٤) « م » : فيه.
(٥) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : فيكون.
(٦) « ز ، ك » : لتبعية النتيجة.
(٧) « م » : مقدّماتهما.