مجوّز الارتكاب بعد وجود الدليل ويكفي فيه ظهور المقام ، نعم في المقام شيء آخر لا يفرق فيه كلا الوجهين وهو احتمال إرادة العهد من اللاّم في قوله : « ولا ينقض [ اليقين ] » فإنّ ذكر اليقين في الوضوء قرينة قابلة لصرف اللفظ عن الحقيقة إليه ، ولا ينافيه لزوم كلّية الكبرى على التقدير الأوّل ؛ إذ يكفي فيها عموم الحكم لأفراد اليقين الوضوئي ولا يقضي بكون اليقين جنسا ، لا يقال : إنّ من المحقّق في محلّه مجازية اللام في العهد ، فأصالة الحقيقة تقضي باعتبار الجنس ، فيتمّ التقريب ؛ لأنّه يقال : قد أشرنا إلى دفع ذلك من أنّ أصالة الحقيقة ممّا لا عبرة بها بعد ما تقدّم من ذكر الوضوء واليقين المتعلّق به ، ونظير ذلك الجمل المتعقّبة (١) بالاستثناء ، والأمر الوارد عقيب الحظر ، وغيرهما ، فإنّ جملة من أرباب الفنّ إنّما أهملوا إعمال أصالة الحقيقة في هذه الموارد نظرا إلى سبق ما يحتمل أن يكون صارفا عن المعنى الحقيقي ، سيّما فيما لم يكن بعيدا عن مساق اللفظ كما في المقام ، فالإنصاف أنّ دلالة هذه الرواية على حجّية الاستصحاب كانت في غاية الظهور لو كان المراد من اليقين هو جنس اليقين ، وبعد وجود ما يحتمل كونه صارفا في المقام فلا يتمّ التقريب إلاّ أن يبنى على دعوى وجود مناط الاستصحاب في غير موارد الوضوء ، وهذا وإن لم يكن بعيدا إلاّ أنّه كما ترى.
فإن قلت : على تقدير أن يكون اللام للجنس أيضا لا وجه للاستدلال ؛ إذ لا عموم في الجنس.
قلت : إنّ الجنس المنفيّ يفيد العموم ، فيصحّ الاستدلال ، وقد يحتمل بعيدا أن يكون المراد باللام هو الاستغراق ، إلاّ أنّه ضعيف جدّا ؛ لأنّه مجاز لا يصار إليه إلاّ بدليل ، على أنّ ذلك إنّما يستلزم نفي العموم والمقصود لا يتمّ إلاّ بعموم النفي.
اللهمّ إلاّ أن يقال بالفرق بين العموم المستفاد من اللام أو من كلمة « كلّ » كما يشهد به ملاحظة الأمثلة في العرف ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ العموم المستفاد من لفظ « كلّ »
__________________
(١) « ج ، م » : المتعقّب.